لم تكتفِ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسياساتها المتشددة تجاه المهاجرين على الأراضي الأمريكية، بل ذهبت أبعد من ذلك، محاولةً تحويل ملف الهجرة غير الشرعية إلى قضية عابرة للقارات. وثائق رسمية حصلت عليها شبكة سي بي إس نيوز كشفت عن تحرّك واسع النطاق، اعتمدت فيه واشنطن على إقناع دول أخرى بقبول مهاجرين غير شرعيين، حتى لو لم تكن لهم أي صلة بهذه الدول. خطوة أثارت الكثير من الجدل حول أبعادها الإنسانية والسياسية.

أوغندا وهندوراس في الواجهة

أظهرت الوثائق أن أوغندا وافقت على استقبال مهاجرين مُرحّلين من الولايات المتحدة، بشرط عدم وجود سوابق جنائية لديهم. أما هندوراس، فقد أبدت استعدادها لقبول عدد محدود من المهاجرين المرحّلين من دول ناطقة بالإسبانية، على أن لا يتجاوز الأمر بضع مئات خلال عامين. لكن الوثائق لم تستبعد إمكانية توسع هذه الأعداد مستقبلاً، وفق ما تراه الحكومة الهندوراسية مناسباً.

الأساس القانوني.. “الدولة الثالثة الآمنة”

تعتمد هذه الاتفاقيات على مبدأ “الدولة الثالثة الآمنة”، وهو بند في قانون الهجرة الأمريكي يسمح بترحيل طالبي اللجوء إلى دولة أخرى، إذا رأت واشنطن أن تلك الدولة قادرة على توفير الحماية والنظر العادل في طلباتهم. ووفقاً للتقرير، اعتبرت إدارة ترامب أن مثل هذه الاتفاقيات تشكّل ركيزة أساسية في حملتها لترحيل المهاجرين على نطاق واسع، خاصةً أن بعض الدول الأصلية ترفض استقبال مواطنيها أو تعاني علاقاتها الدبلوماسية مع واشنطن من توتر.

أحكام قضائية تعطي ترامب الضوء الأخضر

وفي خطوة عززت هذه السياسة، منحت المحكمة العليا الأمريكية إدارة ترامب صلاحية ترحيل المهاجرين إلى دول ثالثة، مع أدنى مستوى من الإجراءات القانونية. هذا الحكم فتح الباب أمام البيت الأبيض لتوسيع شبكة الدول المستقبِلة للمهاجرين، وتحويل ملف الهجرة إلى أداة ضغط سياسي ودبلوماسي.

من أمريكا اللاتينية إلى أفريقيا وآسيا

لم تتوقف التحركات عند حدود أمريكا اللاتينية، فقد أقنعت إدارة ترامب كوستاريكا وبنما باستقبال مئات المهاجرين من أفريقيا وآسيا ممن حاولوا عبور الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة. وفي مارس، رحّلت واشنطن أكثر من 200 فنزويلي إلى السلفادور قبل أن يُعادوا إلى كاراكاس ضمن صفقة تبادل أسرى.

كما أرسلت الإدارة الأمريكية مهاجرين مدانين بجرائم عنف إلى دول مضطربة مثل جنوب السودان، وإلى ممالك صغيرة مثل إسواتيني في جنوب أفريقيا. أما غواتيمالا وكوسوفو ورواندا، فقد أعلنت جميعها قبولها استقبال مرحّلين قادمين من دول أخرى عبر الأراضي الأمريكية.

اتفاقيات جديدة وتوسّع متصاعد

آخر الاتفاقيات الموقّعة كانت مع باراغواي، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي عن اتفاق جديد بموجب مبدأ “الدولة الثالثة الآمنة”. أما المكسيك، فهي شريك قديم في هذه السياسة، إذ وافقت منذ ما قبل الولاية الثانية لترامب على استقبال بعض المهاجرين من أمريكا اللاتينية ممن دخلوا الأراضي الأمريكية بشكل غير قانوني.

سياسة مثيرة للجدل ومخاوف إنسانية

تكشف هذه الوثائق أن إدارة ترامب لم تتعامل مع ملف الهجرة كقضية داخلية فقط، بل حوّلته إلى ملف دولي معقد قائم على شبكة من التفاهمات والصفقات مع دول من قارات مختلفة. وبينما اعتبرت الإدارة أن هذه السياسة أداة فعالة للحد من تدفق المهاجرين، فإن منظمات حقوقية ودولية حذرت من أن مثل هذه الإجراءات قد تعرّض المهاجرين لمخاطر مضاعفة في دول غير قادرة على توفير الحماية الكافية.

شاركها.