موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

تصريحات أبو مرزوق: الواقعية السياسية وفقه التخذيل.. د. أحمد يوسف

0 2

السياسة هي فن الممكن، والمرونة في قراراتها تخضع لحسابات القدرة والإمكانيات على مغالبة الآخر، الذي يمثل في حالة الصراع دائرة العداوة أو الخصومة.
عندما جنح د. أبو مرزوق لتوظيف تلك المفاهيم بغرض التخذيل عن حركته المستهدفة من كلِّ جانب، مع ما قام به الغرب من شيطنة لها، فيما يعاني آلاف النازحين من حرب إبادة جماعية وسياسات عنوانها القتل والتجويع والحصار، وضغوطات لدفع الناس للتهجير القسري. في ظل هذا الواقع الوحشي، الذي تكالبت فيه علينا أمم الأرض، وخذَلَنا  واأسفاه أبناء أمتنا، كان عليه وهو أحد المؤسسين لحركة حماس والعقل الاستراتيجي لها، وهو ما يضع عليه في سياق التبعات القيادية أن يفكر لها في مخرج للنجاة، وقد تعاظمت الخسائر التي تمس مستقبل قضيتنا من حيث الهوية والوجود.
وعليه؛ فإن الذين لا يعرفون د. أبو مرزوق، وغير مطلعين على تاريخ الرجل، الذي قاد الحركة الإسلامية منذ السبعينيات كتنظيم إخواني فترة دراسته في مصر ثم عمله كمهندس في الإمارات ثم خلال فترة دراسته العليا في أمريكا، حيث ارتقى في قيادة الحركة الإسلامية على مستوى الساحة الأمريكية كمسؤول أول يمثل مجمل تنظيمات العمل الإسلامي في القارة الأمريكية.
وللحقيقة وشهادة التاريخ، أن د. أبو مرزوق  وبكلِّ ما له من فضائل في سياق إنشاء مؤسسات العمل الخيري الإنساني، كمؤسسة الأرض المقدسة، وكذلك في ترشيد التفكير السياسي الخاص بالقضية الفلسطينية، يُعتبر د. أبو مرزوق رجل حماس الأول، حيث يعود إليه الفضل أيضاً في نشأة العمل المقاوم للاحتلال وفي ربط القضية الفلسطينية بعمقها العربي والإسلامي من خلال الشعار الذي أطلقه الشهيد د. فتحي الشقاقي ( رحمه الله) “فلسطين هي القضية المركزية للحركة الإسلامية”.
في عام ١٩٩٢، كان د. أبو مرزوق أول رئيس للمكتب السياسي لحركة حماس، وبعد اعتقاله في أميركا منتصف التسعينيات على خلفية قيادته لحركة حماس، وترحيله بعد عامين من الاعتقال إلى الأردن، وعودته إلى الصف القيادي للحركة، وبعد وفاة الملك حسين ( رحمه الله)، غادرت قيادة الحركة الأردن  للعمل من الساحة السورية لسنواتٍ أخرى.
وعندما قررت الحركة مغادرة سوريا بسبب الأحداث الداخلية فيها، انتقل د. أبو مرزوق مع إخوانه إلى العاصمة القطرية الدوحة.
يعتبر د. أبو مرزوق من الشخصيات التي تحظى بالاحترام والتقدير ليس فقط على مستوى الوطن العربي والإسلامي ولكن أيضاً في المشهدية الغربية؛ باعتباره شخصية معتدلة وخطابها السياسي بعيدٌ عن لغة التطرف والإرهاب.
جائت تصريحات د. أبو مرزوق منسجمة مع فهمه السياسي لطبيعة الصراع مع الاحتلال، إضافة لاستيعابه للغة التخذيل، التي يتوجب على الضحية أن تمارسها، إذ لا يُعقل أن يكون خطاب السياسيين في إسرائيل ومنذ قيام هذا الكيان بأنها ضحية يتعرض وجودها لخطر الفناء، وأن ما تقوم به من أشكال القتال والعدوان إنما هو لحماية هذا الوجود، وهي في مجملها إدعاءات لمظلومية كاذبة، ولكنها كسردية تمت هندستها إعلامياً بطريقة بارعة، تجلب التعاطف الإنساني لها في الغرب، خاصة وأنها تلقى متابعة وتغطية إعلامية ليس هناك ما يضاهيها على مستوى الفضاء الامريكي بامبراطوريته الإعلامية المهيمنة على مجمل الساحة الإخبارية العالمية.
إن د. أبو مرزوق وبحكم دراسته  وتواجده في أميركا لأكثر من عشر سنوات، حيث تراكمت تجربته هناك، فهو يفهم طبيعة الرؤية التي يمكن من خلالها مغالبة الرواية الإسرائيلية، وكيفية إخراج إسرائيل من عباءة الضحية والمظلومية المزعومة، إلى الواجهة الحقيقية كدولة مارقة تمتلك من القدرات العسكرية الهائلة، مع قادة عسكريين وسياسيين ليسو أكثر من مجرمي حرب ومصاصي دماء، ومرتكبي جرائمٍ بحق الإنسانية،  وقد قامت  المحكمة الجنائية الدولية (ICC) بإصدار قرارات إدانة وأذونات إلقاء قبض بحق بعضهم.
كما ذكرنا أن رأي المرء على قدر تجربته، تأتي تصريحات د. أبو مرزوق؛ القيادي المخضرم والسابق في وعيه وأفكاره لجيل زمانه، والذي كان بتصريحاته منسجماً مع وعيه وإنسانيته،  بعدما شاهد حجم الكارثة المأساوية التي حلَّت بشعبه، فاختار أن يكون صادقاً وأميناً مع شعبه، بأمل التخفيف عنه، وهو الذي تحمل ما لم يتحمله أحد من العالمين.
لقد أراد د. أبو مرزوق أن يعيد للمشهد مصداقيته، وهو أننا نحن الضحية، وأنَّ الجلاد هو من يمارس الإبادة الجماعية وسياسة القتل والتجويع والحصار.
ما أراد د. أبو مرزوق قوله هو أن المظلومية الحقيقية هي ما عليه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية.
ما أراده د. أبو مرزوق أن يفعله هو تعرية الغرب في تغاضيه عما لحق بالفلسطينيين من مجازر وكوارث لن تغيب مشاهدها ولا روايات شهودها؛ لأن عيون الفضائيات وتغطياتها الإعلامية لا تكذب، وستظل شاهدة على كلَِّ من قام بالإبادة الجماعية أو تواطؤ معها.
كانت تصريحات د. أبو مرزوق في الصحيفة الأهم عالمياً والتي بقرؤها السياسيون والنخب الفكرية على مستوى العالم، وهذا المنطوق في الخطاب السياسي هو الذي يجب أن يسود لغة حماس، والتي سبق لإسرائيل وأذرعها الإعلامية حول العالم، أن قامت بإلباسها ثوب الشيطان، وألحقتها ببعض وجوه التطرف والإرهاب أمثال داعش وتنظيمات أخرى.
ما قاله د. أبو مرزوق لصحيفة نيويورك تايمز وحتى في صياغتها التي قد تكون قد حُرّفت أو أسيء فهمها، ولكنها في النهاية لن تخرج عن المنطق الذي حاولت فيه الحركة تصويب النص ليحمل مفردة البطل وليس رسالة الضحية!!
لا شك أن هذه الإشكالية أو المعضلة ستكون (عقدة حماس) التي لابدَّ أن نجد لها حلاً يصوب بوصلتها لتطابق حقيقة مع المظلومية الفلسطينية.
في استطلاع عفوي عبر الفيس، ومن خلال التعليقات التي تناولت تصريحات د. ابو مرزوق تجد أن غالبية الناس مع ما ذكره د.أبو مرزوق، وحتى في نقاشات شاركت فيها شخصيات تنتمي للتيار الإسلامي، كانت المواقف التي سمعتها من الكثير منهم، أن هذا هو المنطق السياسي الواقعي والذي ينسجم مع فقه التخذيل، فالحالة الفلسطينية في قطاع غزة وصلت إلى حدٍّ  بلغت فيه القلوب الحناجر  واكتست الوجوه بكلِّ ما هو غابر..
فيما الأمة العربية والإسلامية رسمياً وشعبياً وطأت كرامتها وتاريخها، وآثرت مشهد الفرجة، فلا تحسُّ لأي منهم إسناداً أو نصرة ولا تسمع لهم ركزا!!
بصراحةٍ، إن ما قاله د. أبو مرزوق هو نبض الشارع الفلسطيني، المدرك لحجم الكارثة ومخاوف التهجير القسري، وهذه التصريحات في سياقها السياسي والواقعي، هي محاولة للتخذيل بهدف سحب البساط، من مُسعري الحرب، أمثال: نتنياهو وسموترتش وبن غفير، واليمين المتطرف في إسرائيل، والمتواطئين معهم من المسيحيين المتصهينين والمتطرفين الإنجليين الداعمين لسياسات ترامب، والتي تنظر للفلسطينيين كمجرد عقار، يمكن التعاطي معه بالبيع والشراء.
اليوم؛ والعالم يتلاعب به ترامب ونتنياهو، ونحن فيه ليس أكثر من ضحية أو بيدق على رقعة الشطرنج، وعلينا التعقل والابتعاد عن المكابرة ولعبة (أنا البطل)، واستمراء لغة التهديد والوعيد ومنطق أنا ابن جلا وطلاعُ الثنايا!!
لقد أعجبني ما كتبه الأستاذ حسن لافي، وهو شخصية إسلامية تملك وعياً سياسياً متقدماً، وقد جاء في تغريدة له ما يلي: 
“الكثيرون استغربوا تصريحات د. أبو مرزوق، رغم أنَّ تصريحاته تحمل رسائل سياسية لجهات  معينة، وقد تحمل بطياتها بالونات اختبار لمجهودات جهات أخرى.
بالخلاصة، السياسة تحتاج لمرونة وتفكير خارج الصندوق ما دام الهدف مصلحة الشعب”.
لأخي د. موسى أبو مرزوق وبمنتهى الصراحة أقول: إنَّ
ّما نطقت به يتبناه “عليَّة المثقفين” من إسلاميين وعلمانيين، فلغة الحناجر  التي برع فيها البعض تعمل  للأسف لصالح الأعداء، ويتم توظيفها للاستعداء والتحريض علينا، وليست في أغلبها أكثر من جعجعة بلا طحن، فواقع الميدان أن هناك مليونين من النازحين باتوا لا يلوون على شيء؛ يفترشون صقيع الأرض ويلتحفون ما تمطرهم به السماء، بانتظار مجيء المخلّص، الذي لا يبدو لظله أو خطوه أثر!!
ختاماً.. لأخي د. أبو مرزوق؛ القيادي التاريخي في حركة حماس، وخزان وعيها الاستراتيجي، وصاحب التجربة النضالية والدعوية الأطول في تاريخ الحركة الإسلامية في الوطن والشتات، أقول: إمضِ على ما أنت عليه من تظهيرٍ لمظلوميتنا بما تملكه من وعيٍ سياسيٍ في سياق الواقعية وفقه التخذيل، فهذا هو الأسلوب الذي سنقطع به الطريق أمام مجرمي الحرب أو مُسعرّيها ممن لا يريدون للحرب أن تضع أوزارها، بل يغذونها بقصدٍ ليشتد أوارها.
يكفينا فشخرات “أنا واد عتره وميغلبنيش  غُلب”!! إنَّ علينا أن نتواضع لفارق القوة والإمكانيات، فالاستطاعة ليست مغامرة أو مقامرة بل هي حسابات القوة والمُكنة في مغالبة الأعداء.

اضف تعليق