لم تتضح حتى الآن كل تداعيات قرار الحكومة المصغرة نهاية الأسبوع الماضي بشأن احتلال مدينة غزة ومخيمات الوسط.
يطالب نتنياهو، بدعم من غالبية أعضاء الكابينت، باحتلال ما تبقى من قطاع غزة، حتى لو كان ذلك يهدد حياة الأسرى والمخطوفين الإسرائيليين في القطاع. بينما عارض الجيش، وخاصة رئيس الأركان إيال زامير، هذا القرار وطرح خططًا بديلة لا تلغي توسيع الحرب واستمرارها، ولكن بطريقة تدريجية من خلال حصار مدينة غزة وتنفيذ اجتياحات موضعية. كيفية وتوقيت تنفيذ هذا القرار ما زالا غير واضحين.
بينما يمكن تفسير رغبة نتنياهو في احتلال كامل قطاع غزة من منطلقات عقائدية ومصالح سياسية وشخصية، فإن موقف زامير ينطلق من اعتبارات تتعلق بالقلق بشأن مصير الأسرى والمخطوفين والإرهاق في قوات الجيش وتآكل قدراته في حال توسيع الحرب. وبشكل خاص، يعكس هذا الموقف القلق من التراجع المستمر في نسبة تجاوب قوات الاحتياط مع دعوات الخدمة بسبب الإرهاق المتزايد.
من المتوقع أن يتطلب احتلال مدينة غزة تجنيد أعداد كبيرة من قوات الاحتلال، قد تصل إلى قرابة 200 ألف جندي، في ظل تراجع نسب تجنيد قوات الاحتياط وارتفاع نسبة الرفض، التي بلغت حوالي 40% وفقًا لمقال الصحفي اليميني، عكيفا نويفيك، في صحيفة هآرتس (الأحد 10 آب/ أغسطس).
وفقًا لنويفيك، “في فرق كاملة، تصل نسبة الاستجابة للاستدعاء إلى 6070% فقط. العديد من مقاتلي نوفمبر 2023 لم يعودوا موجودين في الوحدات، وليس بالضرورة لأسباب إيديولوجية، بل لأسباب حياتية بحتة، العمل، العلاقة الزوجية، الإحساس لدى جنود الاحتياط بأن هناك من يتلاعب بهم لإرضاء شركاء سياسيين، لا يرفضون، ببساطة يتجاوزون الدورة،يشرحون أن الطفل مريض، الزوجة حامل، السيارة في الورشة”.
الآثار الاقتصادية
بالإضافة إلى الآثار والخسائر البشرية المتوقعة، بدأ الإعلام الإسرائيلي بنشر توقعات حول الآثار الاقتصادية لتوسيع الحرب، وهي جانب قد يشكل عائقًا جديًا أمام تنفيذ رغبات نتنياهو. إذ يتوقع الصحفي غادي ليؤر (موقع واينت نت 10 آب) “أن احتلال كامل قطاع غزة سيكون ضربة جديدة للاقتصاد الإسرائيلي، بحيث يُتوقع أن يكلف القرار مبالغ ضخمة قد تتراوح بين 120 180 مليار شيكل سنويًا. يحمل القرار تكلفة ثقيلة جدًا على ميزانية الحكومة وسيؤثر اقتصاديًا على جميع المواطنين في الدولة وعلى عشرات الآلاف من الشركات والأعمال في البلاد. علاوة على ذلك، هناك تأخير غير مبرر في إعداد مقترح ميزانية الدولة للسنة القادمة، ويزداد الاحتمال بشكل كبير أنه لن يكون ممكنًا الموافقة على ميزانية الدولة قبل بداية السنة المالية القادمة 2026، وأنه لن يتم إقرارها قانونيًا حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر من هذا العام. هذا الوضع قد يسبب ضررًا هائلًا، حيث قد تبدأ سنة جديدة دون ميزانية معتمدة وميزانية مؤقتة سيكون لها تأثير سلبي كبير على الاقتصاد”.
قد تؤدي هذه العوامل إلى تخفيض كبير في ميزانية الدولة هذا العام، وإلى فرض ضرائب جديدة في بداية عام 2026. كما يجب أخذ احتمال تراجع إضافي في تصنيف الائتمان الإسرائيلي من قبل شركات التصنيف العالمية الكبرى بعين الاعتبار، وهو احتمال جدي، حيث من المتوقع أن تنشر هذه الشركات قرارات تصنيف جديدة في غضون شهرين. هذه التطورات تعتبر كارثية بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، وفقًا للصحفي غادي ليؤر.
كما يحذر المحلل الاقتصادي، حاغاي عميت، في موقع “ذي ماركر” من العواقب الاقتصادية لاحتلال كامل قطاع غزة، حيث يقول إن “قرار المجلس الوزاري يوم الخميس بشأن السيطرة على قطاع غزة كان واحدًا من القرارات الأكثر تكلفة ماليًا التي اتخذتها الحكومة في الحرب الحالية. فقد يضيف هذا القرار عبئًا اقتصاديًا هائلًا سيتحملها الاقتصاد الإسرائيلي. هذا العبء يتكون من ثلاثة جوانب. الأول هو تكلفة العملية العسكرية نفسها. إذا كانت عملية ‘مركبات جِدْعُون’ قد كلفت دافعي الضرائب حوالي 25 مليار شيكل في غضون شهرين، فإن السيطرة على القطاع بأكمله، التي من المتوقع أن تستمر لمدة خمسة أشهر وتحتاج إلى حوالي خمس فرق عسكرية، ستكلف ضعف هذا المبلغ. ناهيك عن أن استمرار موافقة الحكومة على تجنيد نحو 480 ألف جندي احتياط بموجب أمر 8، كما هو متوقع يوم الأحد 10 أغسطس، سيُبقي الاقتصاد الإسرائيلي في حالة تعبئة، مع استمرار مدفوعات التأمين الوطني والمساعدات المرتبطة بها، وكذلك التأثيرات السلبية على أماكن العمل والأعمال الخاصة بالمجندين”.
محور التكلفة الثاني، وفقًا لعميت، يتعلق بالنفقات الفورية التي تتحملها إسرائيل في تمويل إعادة احتلال قطاع غزة، وأبرزها تكلفة المساعدات الإنسانية للقطاع. ينص القانون الدولي على أن الاحتلال لأي منطقة يترتب عليه مسؤولية كاملة من القوة المحتلة تجاه السكان الموجودين فيها. وحتى إذا تم تجاهل احتياجات مثل التعليم أو الرعاية الاجتماعية، فإن الاحتلال الكامل للقطاع يعني أن إسرائيل ستكون مسؤولة عن توفير الغذاء، والمعدات الطبية، والمأوى لمليوني مواطن في قطاع غزة.
في هذا السياق، قال وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، في الأسبوع الماضي، إنه يعتزم تحويل 3 مليارات شيكل من ميزانية وزارة الامن لصالح المساعدات لغزة. بينما أوضحت وزارة الأمن أن هذا المبلغ لا يمكن أن يُؤخذ من ميزانيتها، وإذا لم يحدث ذلك، فإن الأموال ستُؤخذ من باقي وزارات الحكومة، على حساب الخدمات التي يحصل عليها المواطنون.
المحور الثالث هو البُعد السياسي – الدبلوماسي، فمنذ قرار المجلس الوزاري، تعرضت إسرائيل لإدانات من بريطانيا، ألمانيا، هولندا، إيطاليا، الدنمارك، بلجيكا، أستراليا، نيوزيلندا، الأمم المتحدة، والمفوضية الأوروبية. كما أعلنت ألمانيا عن حظر جزئي للأسلحة على إسرائيل. من الصعب تقدير الأضرار الاقتصادية بدقة، لكن من المتوقع أن تتزايد مثل هذه العقوبات وتؤثر على الصادرات إلى أوروبا، التي تمثل أكثر من ثلث إجمالي الصادرات الإسرائيلية.
شركات الصناعات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، التي تعتبر المبيعات إلى أوروبا محرك النمو الرئيسي لها، ستحتاج إلى بذل جهود أكبر للفوز بمناقصات جديدة في القارة وتنفيذ الصفقات الحالية، وفقا لعميت. كما قد تكتشف المؤسسات الأكاديمية أن الانتقال إلى الاحتلال الفعلي لغزة قد يُلغي ما تبقى من صبر المجتمع الدولي تجاه التعاون معها، وكذلك الحال بالنسبة لأولئك الذين يسعون لجذب استثمارات خارجية إلى أعمالهم في إسرائيل.
تفضيل الدوافع العقائدية… مرة أخرى
تضاف هذه الآثار إلى تكلفة حرب الإبادة على غزة حتى الآن، والتي تُقدر بنحو 300 مليار شيكل، وإلى حاجة الحكومة لزيادة الدين الخارجي الذي بلغ حاليا نحو 6% من الناتج المحلي، بالإضافة إلى رفع العجز المالي للحكومة إلى قرابة 4.5% من الناتج المحلي. كما تضاف إلى تراجع مكانة إسرائيل الدولية وبدء مقاطعة غير رسمية للسلع والصناعات العسكرية، ومقاطعة أكاديمية وثقافية وفنية، مع استمرار سياسات الحكومة في تمويل الاستيطان وتوسيعه، خاصة ما يتعلق بميزانيات وزارات حزبي “الصهيونية الدينية” و”العظمة اليهودية”، واستمرار الاستجابة لابتزاز الأحزاب الحريدية لتمويل فئات المجتمع الحريدي.
هذه العوامل تشكل كرة ثلج متدحرجة ستؤدي حتمًا إلى تقليصات في ميزانيات وزارات الحكومة وتراجع الاستثمار والإنفاق الحكومي في مجالات غير أمنية بالأساس، وإلى زيادة العجز الحكومي والدين الخارجي ورفع تكلفة القروض الدولية، مما سيؤثر سلبًا على حالة الاقتصاد الإسرائيلي ويؤدي إلى تراجع الاستهلاك والاستثمار الخاص والى رفع الضرائب.
إنها دوامة اقتصادية سيكون من الصعب الخروج منها في ظل استمرار تفضيل الدوافع السياسية والعقائدية لاستمرار حرب الإبادة على قطاع غزة.