يترقّب الشارع المصري اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، المقرر عقده الخميس المقبل، وسط توقعات متزايدة بأن تتجه اللجنة إلى تثبيت سعر الفائدة دون تغيير، بعد سلسلة من التحولات الداخلية والخارجية التي أثرت بشكل مباشر على المشهد المالي والنقدي في البلاد.

وفي هذا السياق، قدّم الدكتور رمضان معن، أستاذ الاقتصاد بكلية إدارة الأعمال، تحليلاً شاملًا للأسباب التي قد تدفع البنك المركزي إلى هذا القرار في ظل واقع اقتصادي معقد يتأثر بالتضخم المحلي، والتقلبات العالمية، والتوترات الجيوسياسية.

تضخم مرتفع وخفض سابق للفائدة

يرى الدكتور معن أن تثبيت سعر الفائدة بات قرارًا مرجحًا، خاصة بعد أن سجّل معدل التضخم السنوي في مايو 16.8%، مقارنة بـ13.9% في أبريل، وهو ما يعكس عودة موجة من الضغوط التضخمية. ورغم هذا الارتفاع، فإن البنك المركزي كان قد خفض الفائدة بنسبة 3.25% خلال اجتماعيه في أبريل ومايو، في محاولة لتحفيز النشاط الاقتصادي.

ويشير معن إلى أن التثبيت قد يكون خطوة في إطار دعم الاستقرار المالي وتجنب الضغط على تكلفة الاقتراض، خصوصًا أن هناك بعض التباطؤ النسبي في وتيرة ارتفاع الأسعار، ما قد يمنح صانعي القرار فسحة من الوقت للتقييم.

حرب إيران وإسرائيل وتداعيات غير منتهية

يضيف معن أن أحد العوامل المهمة التي تدفع نحو التثبيت هو الأثر المتواصل للصراع بين إيران وإسرائيل، حتى بعد توقف العمليات العسكرية، حيث ما تزال توابعه تفرض ضغوطًا على أسعار النفط والغاز والسلع الاستراتيجية.

مصر، باعتبارها دولة مستوردة للطاقة والحبوب الغذائية، تجد نفسها في مواجهة تكاليف متزايدة نتيجة لارتفاع أسعار الشحن، والتأمين، وتعطل سلاسل الإمداد، إضافة إلى استمرار حالة عدم اليقين في التجارة العالمية، خاصة بعد اشتعال التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي تعززها السياسات الحمائية والرسوم الجمركية المفروضة منذ عهد إدارة ترامب.

السياسات النقدية العالمية.. الفيدرالي الأمريكي نموذجًا

ويُبرز معن جانبًا آخر من الصورة، بالإشارة إلى أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قرر في اجتماعه الأخير خلال يونيو الماضي الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير، في ظل المخاوف العالمية من الركود الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية.

ويرى أن هذا التوجه يخلق مناخًا داعمًا لنهج مماثل في مصر، خاصة في ظل الحرص على التحكم في توقعات التضخم وتفادي صدمة في الأسواق المالية.

الفائدة الحقيقية.. ورقة ضغط على المركزي

ورغم التحديات، يشير الدكتور معن إلى أن سعر الفائدة الحقيقي (أي سعر الفائدة بعد خصم معدل التضخم) لا يزال مرتفعًا، ما يعني أن هناك مساحة أمام “المركزي” لمزيد من الخفض. إلا أن الظروف غير المستقرة على الساحة العالمية قد تدفعه إلى الإبقاء على السياسة الحالية كإجراء احترازي.

ويُرجّح أن قرار التثبيت سيكون مرتبطًا في الأساس باستمرار الضغوط على كلفة الاستيراد، والنقل، والتأمين البحري، إلى جانب مؤشرات مستقبلية تُلمّح إلى احتمالات استمرار التضخم في المدى القريب.

في ضوء هذه الرؤية الاقتصادية المتكاملة، يبدو أن البنك المركزي المصري أمام موازنة دقيقة بين احتواء التضخم ودعم النمو الاقتصادي، وسط عالم يموج بالتقلبات والتوترات. القرار المتوقع بتثبيت سعر الفائدة لن يكون مجرد إجراء مالي، بل خطوة مدروسة ضمن سياسة أوسع تسعى لتحقيق الاستقرار النقدي في مواجهة رياح عاتية محلية ودولية.

شاركها.