قرار مجلس الأمن 2803 بفرض الوصاية الأمريكية والدولية على قطاع غزة وتجاهله لكل قرارات الشرعية الدولية السابقة حول القضية الفلسطينية كقضية كل الشعب الفلسطيني وقضية احتلال وتجاهل حتى اعتراف ١٥٩ دولة بدولة فلسطينية… لم يكن مستغرباً أو مستبعداً بالنسبة لي وبالنسبة كل متابع لمجريات الأحداث في قطاع غزة والقضية عموما واستمرار حالة الاستعصاء والعجز في النظام السياسي الفلسطيني.

كان لا بد من الوصول لهذا الوضع ليس منذ مؤتمر شرم الشيخ الشهر الماضي وموافقة حماس على مبادرة ترامب وليس أيضاً منذ طوفان حماس وحرب الإبادة والتطهير العرقي قبل عامين، بل جذوره ومبرراته تعود لغموض قرار مجلس الأمن رقم 242 بعد حرب 1967 والتباس اتفاقية أوسلو 1993والأهم من ذلك إلى لحظة اتخاذ شارون قراره بالخروج من قطاع غزة من طرف واحد عام 2005 دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية أو أي جهة دولية أو عربية خصوصا ًمصر.

فمع بدء الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في خريف 2005 كتبنا مقالاً يوم 13/8/2005 تحت عنوان (الاشكالات القانونية الدولية لوضع قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي والدور المصري المرتقب) منشور في أكثر من صحيفة وموقع، ولأن المقال كان طويلا أقتبس بعض ما جاء فيه لأربطه بحاضر ما يجري في قطاع غزة وخصوصاً بعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير : (المشكل الذي سيواجه الفلسطينيين ليس مشكلاً سياسياً وحسب ،بل مشكل قانوني دولي معقد فإذا كان شارون قادراً على اتخاذ قرار انفرادي بفك الارتباط بقطاع غزة ،فإن الفلسطينيين لا يستطيعون أن يتخذوا قراراً مستقلاً بفرض السيادة على القطاع لعدم وضوح المرجعية الدولية التي تعطيهم هذا الحق فإسرائيل لم تحتل القطاع من الفلسطينيين أو من دولة فلسطينية بل من مصر 

… التخوفات من قيام دولة في غزة مبررة والأمر يحتاج إلى كثير من التفكير القانوني والاستراتيجي لتحديد وضع قطاع غزة ما بعد الخروج الشامل للجيش الإسرائيلي) وإلى هنا انتهى الاقتباس.

نستحضر هذا المقال لأنه يفسر لنا جزءا كبيراً من التصرف الإسرائيلي في الضفة والتصرف الأمريكي في قطاع غزة فالدولتين ومنذ مؤتمر مدريد ١٩٩١ ثم أوسلو ١٩٩٣ لا تعتبران أن قطاع غزة والضفة أراضي فلسطينية محتلة بل أراضي متنازع عليها.

ولأن الفلسطينيين استمروا في الانقسام وغياب استراتيجية وطنية فقد فقدوا قرارهم الوطني المستقل في أي شأن فلسطيني عام سواء فيما يتعلق بقطاع غزة أو الضفة وحتى بالنسبة لفلسطينيي الشتات وهذا أيضاً يفسر تعارض المواقف بين حركة حماس والسلطة من قرار مجلس الامن الأخير.

وللأسف لا قيمة لرفض حركة حماس للقرار ، وهو رفض غير مفهوم بعد أن وقعت على مبادرة ترامب في قمة شرم الشيخ والتي تضمنت نزع سلاح حماس وتواجد دولي في القطاع ،ولا قيمة لقبول السلطة به أو فرحتها به لمجرد إشارته لإمكانية فتح مسار لدولة للفلسطينيين دون أن يذكر القرار دولة في الضفة وغزة ونعتقد أن التفكير الأمريكي بدويلة على أجزاء من قطاع غزة دون الضفة الغربية ، ونعتقد أن غالبية سكان القطاع مع قرار مجلسالأمن وحتى مع الوصاية والتدويل بالرغم من أنهم افشلوا مخطط للتدويل عام 1955، وخصوصاً فيما يتعلق بوقف إطلاق النار ودخول المساعدات وإنهاء سلطة حركة حماس ، ولا نلومهم على ذلك عندما تغيب أي حالة فلسطينية تحميهم من الموت والدمار والجوع. 

ولكن كل ما يجري وحتى قرار مجلس الأمن 2803، الملتبس في بعض نصوصه كالتباس قرار مجلس الأمن ٢٤٢، قد يوقف حالة الحرب مؤقتاً في القطاع ولكنه لن يحقق السلام المزعوم الذي يتحدث عنه ترامب لا في فلسطين ولا في الشرق الأوسط لأن الحرب والصراع سابقان على حرب غزة وأشمل منها.

من سيحدد مستقبل القطاع والضفة وكل القضية الوطنية على المدى الطويل ليس الطبقة السياسية الفلسطينية الراهنة ولا حتى ترامب والادارة الأمريكية ولا إسرائيل بل سلام حقيقي، قد لا تكون متطلباته متوفرة الآن ولكنه سيتحقق على يد جيل جديد من الشعب الفلسطيني الذي تعداده يفوق ١٥ مليون نصفه داخل فلسطين، وجيل عربي جديد سيكتشف فساد الأنظمة السياسية القائمة والخطر اليهودي الصهيوني والأمريكي على استقلال بلدانهم وهويتها وثقافتها الوطنية، والمهم الجيل الجديد من الشباب في أوروبا والعالم عموماً الذي لم تعد تغرر به الرواية الصهيونية .  

[email protected]

شاركها.