دول ومنظمات دولية بالإضافة الى الفصائل الفلسطينية (استغربوا) و(نددوا) بقرار إسرائيل بالعودة للحرب بقوة للسيطرة على قطاع غزة ،وهو استغراب و تنديد فاق بكثير تنديدهم واهتمامهم بقرار الكنيست قبل أيام بضم الضفة الغربية وقبل ذلك ضم القدس والجولان، وكأن القطاع كان قبل ذلك حرا مستقلا وما جرى له في حرب إبادة الابادة والتطهير العرقي طوال عامين كان حدثا عابرا  وكأنهم صدقوا الرواية الصهيونية بأن الهدف من الحرب هو تحرير المختطفين والقضاء على القدرات العسكرية لحركة حماس ،مع أن نتنياهو وفادة حربه صرحوا إن هدف السيطرة على القطاع هو ضمان عدم عودة السلطة الفلسطينية وحركة حماس حكم القطاع مع إخفاء الهدف الحقيقي من الحرب منذ بدايتها وهو هدف تعلمه كل الدول الغربية والعربية وخى حركة حماس وكل الفصائل.

عندما نستغرب استغراب المستغربين والمنددين بقرار إعادة السيطرة الكاملة لإسرائيل على القطاع، لأن هذه الدول تعلم حقيقة أهداف إسرائيل من الحرب وإنها لن توقفها حتى تحقق أهمها وهو تهجير سكان قطاع غزة واستكمال خطة الحسم في الضفة بعد قرار الضم.

استمرار الخرب 22 شهرا ليس كما زعمت حركة حماس وقناة الجزيرة ومرتزقتها من المحللين السياسيين والعسكريين، إن إسرائيل لا تستطيع الاجتياح البري ولا تستطيع دخول المدن والمحجمات بسبب قوة المقاومة، وجنى بعد أن دمر جيش الاحتلال 80% من القطاع واحتل حوالي 75% من أراضيه من مدن وقرى ومخيمات وسقوط حوالي ربع مليون ما بين شهيد ومفقود وأسير غير الجرحى والمعاقين وتجويع الناس… ما زالوا يكابرون ويعاندون ويقولون إن حركة حماس منتصرة وأن إسرائيل لن تستطيع احتلال مدينة غزة ،بينما إسرائيل هي التيتطيل أمد الحرب وتعطل مفاوضات وقف إطلاق النار حتى تستكمل كامل مخططاتها وتصل لمرحلة التهجير لأنها تتعامل مع الحرب كحرب وجودية وليس مجرد معركة كحروبها السابقة.

التخطيط لهذه الحرب لم يبدأ مع طوفان حماس في السابع من أكتوبر ،وإسرائيل وظفت هذا العمل الذي أقل ما يقال عنه إنه أهوج، لخدمة ما كانت تخطط له ،بل قبل ذلك بسنوات عندما اكتشفت الدولة العميقة في إسرائيل  والصهيونية العالمية :وهنا أشير الى أن الدولة العميقة لا تتواجد في إسرائيل وحدها بل في واشنطن أيضا، أن خطرا وجوديا يهدد دولتهم ،ليس من دول الجوار أو صواريخ إيران وبرنامجها والنووي ولا من أعمال المقاومة الفلسطينية بل من وجود حوالي ٧ مليون فلسطيني على أرض فلسطين ما بين البحر والنهر وعددهم يتزايد يوميا عن عدد اليهود ،وأنه بالرغم من الممارسات الإسرائيلية بالتضييق على الفلسطينيين في الضفة الغربية من استيطان وعربدة مستوطنين ومصادرة أراضي وحواجز وتدمير المخيمات وقتل الأبرياء على مجرد الشبهة والحصار المالي للسلطة والاعتداء على المسجد الأقصى وكل المقدسات ،وفي قطاع غزة من حصار وحروب متكررة وتجويع للمواطنين ،وبالرغم من أن إسرائيل أقوى دول المنطقة عسكريا وتملك السلاح النووي: وبالرغم من تزايد عدد الدول العربية المطبعة معها علنا و المتعاملة معها سرا… بالرغم من كل ذلك كان الفلسطينيون يُعيدون بناء ما دمره الاحتلال و يصمدون على أرضهم بل ويبدعون في كل المجالات بالإضافة الى تزايد الاعترافات الدولية بحقهم في دولة مستقلة على حدود ١٩٦٧. 

هذا الواقع أرعب الإسرائيليين والصهيونية العالمية وجعلهم يدركون أن خطرا وجوديا يهدد مشروعهم الذي لم يكتمل بعد أكثر من قرن على إعلانه وهو قيام دولة يهودية خالصة على كامل أرض فلسطين ،اذا استمرت الخارطة الديمغرافية على حالها (القنبلة الديمغرافية الفلسطينية)،ومن هنا كان التفكير الاستراتيجي بضرورة تدبير أو افتعال حرب كبرى في فلسطين والمنطقة تؤدي لتهجير  أكبر عدد من الفلسطينيين ،كما سبق وأن خططت الحركة الصهيونية وبريطانيا بتواطؤ مع أنظمة عربية لمهزلة حرب ١٩٤٨ التي أدت لتهجير حوالي ٨٠% من الفلسطينيين وقيام دولة إسرائيل ولولا تلك الحرب ما قامت دولتهم في ذلك الوقت وما كان لقرار التقسيم أن يتم تنفيذه، وثد كتبنا عن  ذلك قبل سنوات؟

 لذلك فإن إسرائيل لن تتوقف في هذه الحرب الراهنة في منتصف الطريق بعد كل ما مارسته من جرائم تفوق ما مارسته النازية وأدت لردود فعل عالمية شعبية ودولية: وتترك ٧ مليون فلسطيني على أرض فلسطين محفوفين بتعاطف دولي متزايد مع عدالة قضيتهم، وإلا  ستعود لمواجهة الخطر الذي يهدد وجودها كما ستنتقل الحرب والمواجهة إلى داخل الكيان وبين مكوناته الحزبية والمجتمعية.

لا يعني هذا أن إسرائيل خسرت الحرب والدولة الفلسطينية أصبحت قريبة المنال، ولكن من المؤكد أن التصعيد في استعمال القوة والتهديد باحتلال القطاع والتهجير وتهديد دول الجوار… كل ذلك يخفي حالة خوف صهيوني حقيقي على مستقبل هذا الكيان العنصري الإرهابي، ونكرر أيضا ما قلناه سابقا، إن الكرة الآن في الملعب الوطني الفلسطيني وأحرار العالم ليوظف مأزق إسرائيل والتحولات في الرأي العام إلى ورقة قوة تزيد في غزله الغدو قبل أن تتمكن إسرائيل من امتصاص الصدمة وتتمكن واشنطن والصهيونية العالمية والغرب الاستعماري من الالتفاف على هذه الحالة وإحداث تحولات معاكسة لصالح إسرائيل، وعدم الاكتفاء بالتهليل بالاعترافات المتزايدة بدولة فلسطينية ،فبعض هذه الاعترافات لرفع العتب والتهرب من المسؤولية عما لحق بالشعب الفلسطيني ،وبعضها ملتبس ومشروط بأمور يقلل من قيمة الاعتراف، وكلها تعترف بدولة فلسطينية تحت الاحتلال! وحتى لو اعترفت كل دول الجمعية العامة للأمم المتحدة: عداواشنطن وتل أبيب، بالدولة يبقى السؤال: مَن سيجبر إسرائيل على الانسحاب من الضفة والقدس وقطاع غزة؟ وكيف ومتى؟

[email protected]

شاركها.