موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

حرب بلا نهاية.. سما الإخبارية

0 1

دخلت الحرب الإسرائيلية على غزة مرحلة جديدة مع عودة الغارات الجوية والتوغل البري مرة أخرى في بعض مناطق القطاع، فيما يتواصل الحديث عن التهدئة وعن مقترحات جديدة لدفع المزيد من عمليات التبادل للأمام. لكن في المحصلة الحرب مستمرة والحديث عن التهدئة مستمر. رغم أن الحديث عن تفعيل خطة ترامب لتهجير سكان قطاع غزة قد يكون نتيجة هذه الجولة الجديدة من العدوان، ولكن هذه المرة مع ضم مناطق من قطاع غزة وتضييق مساحة القطاع وتقليص المنطقة المسموح لسكان غزة بالعيش فيها، وبالتالي خلق واقع يصبح فيه البحث عن حياة «آمنة» خارج غزة أمراً محتوماً.
انتجت التهدئة الحالية مصطلحاتها الخاصة من مرحلة أولى ومرحلة ثانية و»تجسير» وبروتوكول إنساني وملاحق معلنة وأخرى غير معلنة، سيقول أحدهم إن الأمر يشبه مرحلة أوسلو والاتفاق المؤقت والاتفاق الدائم والمماطلة الإسرائيلية والإصرار الفلسطيني على إلزام إسرائيل بتنفيذ ما تم التوقيع عليه. ألا نسمع نفس العبارات والتصريحات من قادة حماس الآن؟!
بالعودة لواقع الحال فالأمر بالنسبة لنتنياهو بسيط، فهو كما يعتقد قد فعل الكثير في سبيل إنجاح الحوار الهادف إلى اطلاق سراح الأسرى، وبذلك ضمِن ترامب إلى جانبه بعد أن كادت العلاقة بينهما تنهار إثر حوار مبعوث الأخير مع قيادة حماس، وحتى أمام الرأي العام الإسرائيلي فهو فعل ما في وسعه من أجل إطلاق جميع الأسرى، وتمكن من إطلاق جزء لا بأس به منهم، لكن عليه مواصلة الحرب من أجل ضمان إطلاق سراح البقية. يصعب تخيل مآلات الحرب لكن يسهل توقع أنها ستستمر وفق النمط والإيقاع المعتادين خلال الأشهر الأخيرة. حتى خلال التهدئة لم تتوقف إسرائيل عن استهداف القطاع، ولم يمر يوم دون أن يرتقى شهداء جراء القصف الإسرائيلي، كل ما في الأمر أن الإيقاع اختلف ويتم ممارسة ضغط جديد.
حماس تعرف أن الأسرى الموجودين بحوزتها هم آخر ورقة بيدها، وأنه في اللحظة التي تنتهي فيها عمليات التبادل ولا يعود لديها أي أسير إسرائيلي فإن الأمر سيختلف جذرياً؛ لذلك فهي تحاول جاهدة أن توسع «فرجار» المفاوضات ليشمل قضايا أخرى غير الأسرى مثل انسحاب الجيش من غزة واستتباب الأمر لها كجهة حكم في القطاع، أو بعبارة أخرى العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر من ترتيبات. ومثل هذا الموقف يعكس رغبة في تجاوز كل تبعات الحرب وحقيقة احتلال إسرائيل لغزة بشكل كامل، وتدمير القطاع وقتل وجرح قرابة مائتي ألف من سكانه واعتقال الآلاف منهم. وهي رغبة مقصودة بالطبع وهي مؤسسة على فهم خاص لطبيعة ما جرى، لا يعكس أي منطق غير ذاته. ولكن أيضاً ليس من حق حماس أن ترهن الشعب ومستقبله وحياته بمواقفها الخاصة وبرؤيتها للصراع. بداية أنا لا أعرف هل توقعت حقاً حماس أن إسرائيل بعد انتهاء المرحلة الأولى من التهدئة ستتحول إلى حمامة سلام مثلاً؟
طبعاً علينا أن نتذكر أن جرائم إسرائيل بحق شعبنا لم تتوقف يوماً واحداً منذ تفجيرات العصابات الصهيونية للأسواق والمحال والأماكن العامة في يافا والقدس منذ عشرينيات القرن الماضي، وأن تاريخ الجرائم الإسرائيلية بحقنا لم يبدأ في السابع من أكتوبر، ولكن أيضاً علينا أن ننتبه أن ثمة تحولات في الرأي العام العالمي يجب أن نلتفت إليها بجدية، حيث تعمل إسرائيل على توظيف كل الصور ومقاطع الفيديو التي قام المقاتلون أو المواطنون ببثها من أجل تثبيت أن ما حدث في السابع من أكتوبر يبرر كل تلك الجرائم، بل ويجعلها أمراً مشروعاً. ومع ذلك فإن السردية الإسرائيلية لم تنجح بذلك رغم بعض ما حققته على مستوى الدول وليس الشعوب، وهذا نقاش آخر. ولكن ما أريد قوله هنا أن الوضع في غزة اختلف بشكل جذري بعد نتائج الحرب في السابع من اكتوبر وأن حماس لا تريد أن ترى كل ذلك، وتصر على أن شيئاً لم يتغير وأن الحرب هي حرب متكافئة بين قوتين أو جيشين، وهنا علينا أن ننتبه إلى الخلل في تعميم السردية الفلسطينية القائمة على مظلومية الشعب الواقع تحت الاحتلال، وأن القتال مستمر وأن الطرفين، أي إسرائيل وحماس، يمكن لهما أن يصلا لتفاهم ينهي الحرب. وفيما ثمة شكوك في توجهات نتنياهو ورغبته في انتهاء الحرب أو في رؤية طرف فلسطيني محدد يحكم قطاع غزة، فإن التصورات الإسرائيلية للقطاع التي يتم العمل وفقها هي استمرار الحرب وعدم وضع نهاية محددة لها واستمرار التهدئة وعدم الإعلان عن توقف الجهود للتوصل لاتفاق، ببساطة لأن الأمر يتعلق بالرأي العام وبالأسرى.
رغم أن استمرار الوضع القائم، هو الصيغة التي باتت رائجة في الخطاب السياسي حول الشرق الأوسط، قد يكون هو الوصفة التي لا تنهي الحرب وفي نفس الوقت تحافظ على حالة التهدئة المرجوة. يشبه الحال وضع «لا حرب ولا سلام»، وهي صيغة معروفة في المنطقة بشكل جيد. الأمر لا يقتصر على الأسرى ولا على الانسحاب من غزة ولا على فتح المعابر ولا على إعادة الإعمار (وهذه قصة معقدة)، ولا على تقليل سكان قطاع غزة عبر الهجرة الطوعية، ولا على قتل أي مشروع سياسي يجمع الضفة الغربية وقطاع غزة في تصور واحد، إنه كل ذلك، ولكن أيضاً مع الحفاظ على ايقاع الحرب المستمر والتمسك بالتهدئة غير الموجودة. الوقت كفيل بكل شيء كما أن الوقت لا يكفل شيئاً. مع الوقت ستصبح الحرب أمراً عادياً ويصبح النقاش حول الحرب هو جزء من روتين دوري وعادي مثل الكثير من التفاصيل التي تشغل بال العالم. وحدهم الذين يعيشون في الخيام ويتعرضون للموت كل دقيقة وينجون منه صدفة، ويبحثون عن الطعام والشراب كل ثانية وحدهم يفكرون في الحرب وفي نهايتها المرغوبة، أما بالنسبة للعالم فهذه مجرد حرب أخرى.

اضف تعليق