في عصر لم تعد فيه الحروب تخاض فقط بالمدافع والدبابات، ظهرت اجيال جديدة من الحروب تعد اكثر خطورة وأشد تأثيراً وأطول مدى، انها حروب الجيل الرابع والخامس التي لا تحتاج الى ساحات للقتال بل تنفذ اهدافها من خلال المعلومات واللعب بالعقول والشائعات والارهاب، وهذه الحروب الحديثة تمثل تحدياً وجودياً للمجتمعات اذ تسعى إلى تفكيك الدول من الداخل دون الحاجة إلى التدخل العسكري.
 

حرب خبيثة وملامح غير تقليدية:

ما يميز هذه الحروب هو اعتمادها على أساليب خفية وغير تقليدية تجعل من الصعب تحديد العدو او حتى ادارك ان المجتمع يتعرض لهجوم . فلم تعد الحرب تعتمد على جيوش نظامية أو غزو تقليدي بل تخاض من خلال أدوات ناعمة مثل الاعلام المضلل أو منصات التواصل الاجتماعي أو الهجمات السيبرانية أو الضغط النفسي أو الشائعات.
وتشن هذه الحروب عبر جهات غير رسمية مثل منظمات مدنية أو جماعات ارهابية أو صفحات الكترونية حيث تسعى لتدمير البنية الثقافية والاجتماعية من خلال نشر الشائعات واثارة الفتن وتدمير البنية الاقتصادية. وبهذا تصبح هذه الحروب اشبة بعدوى تنتشر في جسد الامة دون ان يشعر بها الكثيرون، وهي تستهدف:
ضرب الاقتصاد الوطني حتى تفقد البلاد الاستقرار الاقتصادي وتدفع بالمستثمر الى الهرب.
تفكيك النسيج الاجتماعي من خلال زرع الفتن الطائفية أو العرقية أو الفكرية وتحول ابناء الوطن الواحد إلى اطراف متنازعة.
إضعاف ثقة المواطن بمؤسسات دولته عبر تشوية صورة القضاء والجيش والشرطة والتعليم مما يؤدي الى اضطراب داخلى وفقدان الشرعية.
تشجيع الحركات المتطرفة وتغذية الشعور بعدم الانتماء والرفض وهو ما يمثل تهديداً مباشرًا لوحدة البلاد.
تحطيم الهوية الوطنية عبر تشوية التاريخ وترويج القيم الغربية وتغييب الرموز المشتركة التي توحد الاجيال.
إن مواجهة هذا الخطر لا يكون بالرد العسكري التقليدي، بل عبر خطة وطنية شاملة تقوم على عدة محاور هي: 

أولاً: نشر الوعي: حيث ان الخطوة الاولى لهذه الحروب هي رفع مستوى الوعي الاجتماعي وتحصين العقول ضد الدعاية المغرضة ، فالمواطن الواعي هو الحصن الأول ضد الشائعات والمعلومات المضللة.

ثانياً: الحصانة الفكرية والثقافية: من خلال التمسك بالهوية الوطنية وإحترام التعددية والاحتكام للعقل وذلك لمواجهة حملات التشكيك والتشويه.

ثالثاً: الجاهزية الأمنية التكنولوجية: الدول بحاجة الى تطوير قدراتها السيبرانية وأجهزتها الامنية لمواجهة الهجمات الالكترونية والمعلوماتية لحماية البنى التحتية الرقمية ورصد التحركات المشبوهة في الفضاء الالكتروني، والتعامل مع التهديدات بمرونة واحترافية.

رابعاً: اصلاح التعليم والاعلام: لابد من تحديث المناهج التعليمية لتشمل التثقف الرقمي والاعلامي وتدريب الابناء على التعامل الواعي مع التكنولوجيا كما يجب دعم الاعلام الوطني المسؤول وتمكينه من قيادة معركة الوعي، من خلال تقديم محتوى موثوق فيه مهني وجذاب ويواجه الداعية المضللة بلغة العصر.

خامساً: تعزيز الوحدة الوطنية: فكلما كانت الوحدة الوطنية اقوى كان المجتمع اقل عرضة للاختراق، فالتماسك الاجتماعي والحوار وإحترام الاخر كلها امور ضرورية لمجتمع قادر على صد محاولات التقسيم والتفتيت.

خاتماً فإن هذه الحروب هي حروب عقول لا سلاح فتزرع الشك بدل الرصاص وتنشر الكراهية بدلاً من الدمار المادي، ولأنها حرب خفية فالمعركة معها لا تدور في ساحات القتال بل في قلوب الشعوب ومدارسهم ومواقعهم وإعلامهم.
إن مسؤولية مواجهتها تقع على عاتق الجميع (الدولة والمجتمع والفرد) ومع تضافر الجهود وارتفاع الوعي وتقوية الجبهة الداخلية يمكن تحويل هذه الحروب من تهديد خطير إلى فرصة لتعزيز الصمود الوطني والنهضة الفكرية.

شاركها.