موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

حكومة التطرّف العنصرية فقدت كلّ شيء..

0 2

لم يتبقّ لـ»اليمين» الحاكم في دولة الاحتلال سوى طلقات قليلة قبل أن تترنّح وتسقط بعد أن فقدت كل أوراقها، ورقة وراء أخرى. إليكم هذه الأوراق:
في معادلة الصراع، والأصحّ أن نقول الاحتراب الداخلي، وبعد كلّ ما أدلى به رئيس جهاز «الشاباك» رونين بار، وبعد أن ثبت بالملموس، وبالدليل القاطع أن بنيامين نتنياهو قد ألحق «انقلابه القضائي» بسلسلة طويلة وخطيرة من «تطويع» المؤسّسات العسكرية والأمنية تحديداً، وتحويلها إلى ما يشبه النظام السياسي «الزبائني» وبنسخة أكثر قباحةً من مفهوم هذا النظام في أسوأ النماذج الدكتاتورية في بلدان «العالم الثالث، وجمهوريات الموز» التي نعرفها.. بعد كل هذا أصبح الحديث عن الأكثرية التي يمتلكها «اليمين الفاشي» الحاكم في الكنيست ــ على أهميته القانونية والدستورية ــ حديثاً يشوبه «عوار» قانوني ودستوري أكبر وأخطر.
فإذا كان كل ما قيل قبل شهادة بار مجرّد «تقديرات» سياسية، ومجرّد وجهات نظر تتصارع فيما بينها، وتتعارض أو تتناقض حول تقييم الكثير من مفاصل الأداء والسلوك والمواقف والاصطفافات، وخصوصاً للفترة التي سبقت الحرب الكارثية والتجويعية على قطاع غزّة وما بعدها، إلّا أن المسألة الآن اختلفت، ودخلت مرحلة جديدة، وباتت تُدرج في إطار جديد من «الخطر» المباشر الذي يمثّله سلوك نتنياهو.
أقصد انتقلت المسألة من دائرة الاختلافات والخلافات حول إمكانيات أن يكون مثل هذا السلوك ومثل هذا الأداء مداناً سياسياً إلى دائرة شبهات، وربما «مستمسكات» تتعدّى وتتجاوز الحذر لتدخل في المحظور.
وهذا متغيّر مهم وحقيقي في سياق بقاء هذه الحكومة من عدمه.
أما المتغيّر الثاني والكبير فهو التناقض الذي قد ينشأ، وربّما قد نشأ فعلاً بين ما يطمع به، ويتطلّع إليه دونالد ترامب، وبين ما قد يصيب نتنياهو من جنون المغامرات الأكثر خطورة على مستوى الإقليم كلّه.
في حالة إن ظهر هذا التناقض، ووصل إلى درجة معينة يصعب معها «التحايل» عليه فإن على ترامب أن يقرر بهذا الشأن فيما إذا كان بإمكانه مجاراة هذه الحكومة، أو العمل مع الأطراف الأخرى في المنظومة السياسية الإسرائيلية لإنهاء هذه الحكومة بأقل الخسائر الممكنة والمتوقّعة، وبحيث لا يُحدث هذا الإنهاء المزيد من الصدام الداخلي أو فتح الباب واسعاً أمام جماعات «اليمين» العنصري من الانقضاض على مفاصل الحكم والكيان، ووضع المجتمع الإسرائيلي أمام سياسة الأمر الواقع، والتي قوامها، إمّا بقاء الحكومة، استناداً لأكثريتها في الكنيست، أو إشاعة الفوضى الداخلية على أوسع نطاق، وفي هذه الحالة فإن ترامب سيواجه مشكلات ليس سهلاً عليه حلّها، وربما سيصعب عليه اتخاذ قرار حاسم بشأنها.
وهناك ما يكفي فعلاً من المخاطر إزاء تحوّل هذا التناقض إلى نقطة للحسم والبتّ المباشر، كجزء من الأجندات العاجلة على جدول الأعمال.
تجلّيات هذا التناقض تبدو واضحةً تماماً في مسألتين أساسيّتين:
الأولى، في الموقف من المفاوضات الأميركية الإيرانية، حيث بات واضحاً أن إدارة ترامب، وخلافاً لما أشاعته الأوساط المقرّبة من نتنياهو قبل عدة أسابيع معنية بشكل أكيد وكامل بالوصول إلى «اتفاق» جديد، وليس الذهاب إلى خيار الحرب على إيران.
وقد ثبت الآن أن تهديدات نتنياهو كانت تستند إلى أمنيات، وليس إلى حقائق، وتهديدات ترامب كانت في إطار الضغوط والتخويف والتهويل الذي يلجأ إليها، بأسلوبه الخاص، تماماً كما ثبت بالملموس أن كل التهديدات السابقة كانت تخضع لنفس هذا الاعتبار، بما في ذلك التهديدات التي أطلقها ضد أكثر من نصف الكرة الأرضية.
نتنياهو انكشف الآن، ولم يعد يمتلك اللعب والتلاعب بالورقة الإيرانية، وعليه إمّا أن يذهب إلى مقامرة قاتلة، أو التراجع التام بحيث سيبدو تابعاً، وضعيفاً، وغير قادر على المناورة.
أمّا الثانية فأغلب الظنّ ستكون على نفس درجة الانكشاف والضعف حول الحرب في/ وعلى قطاع غزّة.
صحيح أن هوامش نتنياهو ما زالت أكبر بكثير مما هي في مسألة الملفّ النووي الإيراني، إلّا أن هذه الهوامش في مسألة الحرب العدوانية على القطاع هي مؤقّتة ومحدودة في الزمان، على عكس الملفّ النووي الإيراني الذي يمكن أن يأخذ زمناً أطول، ويمكن أن يتم الاتفاق عليه على عدة مراحل، وقد يمتدّ الأمر إلى شهور طويلة، إن لم نقل لعدة سنوات.
وهنا من الواضح أن ترامب يمكن أن يصطدم مع القيادة الإسرائيلية في مسألة إنجاز وقف إطلاق للنار بمثابة إنهاء للحرب، قبل ذهابه إلى الخليج، وخصوصاً قبل زيارته للعربية السعودية، لأن الذهاب من دون مثل هذا الاتفاق هو بمثابة قنبلة موقوتة يمكنها إفشال الزيارة، وهو الأمر الذي لن يقبل به ترامب، ولا يمكن لأن يقبل لنفسه أقل من النجاح الكبير والخاص لهذه الزيارة.
وهناك على ما يبدو حتى الآن عدة سيناريوهات لـ»صفقة غزّة»، بل وهناك ما بات يربط بين الصفقة في القطاع، والصفقة مع إيران.
لكن الأمر المؤكّد حتى الآن أن الاتفاق بخطوطه العريضة قد تم التوافق المبدئي عليه.
سيكون جوهر الاتفاق هو إنهاء الحرب، وسيكون إدخال المساعدات متاحاً بصورة جدّية وسلسة ومن دون عوائق حقيقية.
كما يبدو أن «الصفقة» ستكون شاملة للأسرى الإسرائيليين، والعدد المحدّد للأسرى الفلسطينيين.
وحول طبيعة الحكم في القطاع فالأرجح أن يصار إلى دعم حكومة فلسطينية «مستقلة» ليست حزبية مباشرة، والأرجح أن تحلّ مشكلة السلاح بالاتفاق على عدم ظهوره إلى العلن في مراحل أولى، وإلى جمع هذا السلاح وإشراف جهات رسمية فلسطينية وعربية على تخزينه.
والحقيقة أن إدامة القتال وضع علامات استفهام كبيرة على قدرة إنهاء المقاومة، أمّا التفاصيل التي يتحدث عنها المقرّبون من نتنياهو، والتي يتحدث عنها عتاة «اليمين» الفاشي فأغلب الظنّ أنها دعائية وغوغائية.
واضح في حال إن خضع نتنياهو لمنطق «الصفقة» فإن حكومته لن تصمد طويلاً، وإن بقاء الحكومة الخاضعة لمنطق «الصفقة» لا تستطيع أن تعمّر طويلاً لأسباب لا تحتاج إلى دليل.
أمام كل هذه العقبات فإن حكومة الاحتلال باتت في أضعف حالاتها، وبات أمر نهايتها يرتبط بعدة تطوّرات قادمة في غضون أسابيع قليلة، أو عدة أشهر على أبعد تقدير.
أمّا المسألة الجديدة التي ظهرت على المسرح السياسي في دولة الاحتلال فهي وجود «بديل» حقيقي عن نتنياهو بصورة أكبر وأكثر من أيّ مرحلة من مراحل حكم «اليمين الفاشي» في دولة الاحتلال.
واضح أن نفتالي بينيت هو بديل حقيقي لأنه يمتلك كل مقومات البديل، سواء تعلّق الأمر بقدرته على الإمساك بزمام وحدة «المعارضة»، أو سواء تعلّق الأمر بقدرته على اجتذاب وتجنيد المزيد من قواعد «اليمين الفاشي» الحاكم إلى صفوف «المعارضة» بالمقارنة مع أيّ شخصية سياسية.
وإضافة إلى كل ذلك فإن معظم القوى الحيّة في المجتمع الإسرائيلي، وأقصد من المجتمع المدني تحديداً باتت على قناعة تامّة بأن استمرار هذه الحكومة بات هو التهديد المباشر لوحدة المجتمع، وأنها تحوّلت إلى التهديد الأوّل والأخطر على وجود ومستقبل دولة الكيان الصهيوني.

اضف تعليق