«حماس» تقود الشعب الفلسطيني إلى الهاوية !!
يحتدم الصراع بين دولة الاحتلال وحركة حماس التي ما زالت تمسك بقرار استمرار الحرب ووقفها، وسط انسداد سياسي كامل يترافق مع استئناف حرب الإبادة التي وقودها البشر ومن طرف واحد. في هذا السياق أعلن جيش الاحتلال مجددا عن مناورة تستهدف تقسيم مدينة غزة إلى نصفين، بعد مناورة رفح التي فصلتها عن خان يونس، ومناورة «نتساريم» التي فصلت الشمال عن الجنوب فضلا عن مربعات وأشرطة أمنية في محيط قطاع غزة. وبفعل ذلك اصبح 40% من مساحة قطاع غزة تحت سيطرة عسكرية إسرائيلية مباشرة، وجرى تهجير اكثر من نصف مليون من الأماكن التي عادوا إليها بعد وقف إطلاق النار. الهدف الإسرائيلي التفاوضي المعلن هو: تحرير جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء والأموات، وتحويل قطاع غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، وإسقاط حكم «حماس». هدف ثانٍ: التهجير الطوعي والقسري لكل أو معظم المواطنين في قطاع غزة. لا شك في أن دولة الاحتلال تملك قوة هيمنة عسكرية متحررة من كل قيد بعد إفراج إدارة ترامب عن القنابل المحظور استخدامها في الأماكن السكنية، وتتحكم دولة الاحتلال في كل شيء من الطاقة إلى المواد الغذائية والإنسانية والدواء وتستخدم منعها كسلاح فعال في حرب اقتلاع المجتمع الفلسطيني، وتملك دعما سياسيا أميركيا مفتوحا، ودعما اقتصاديا ضخما، وحقا استثنائيا في الإفلات من المساءلة والعقاب.
أما حركة حماس فلا تملك إلا النزر اليسير من السلاح، بعد تدمير أو إخراج معظم الصواريخ والمُسيرات ومدافع الهاون من الخدمة، ولا تستطيع فصائل المقاومة تعويض خسائرها من السلاح بسبب الحصار المحكم. وتتحدث مصادر في «حماس» عن تجنيد 30 ألف مقاتل في إشارة إلى استعدادها لمقاومة المحتلين. وكانت الحركة قد خسرت محور المقاومة والممانعة، إثر سقوط النظام الأسدي، وهزيمة «حزب الله»، وتراجع الحشد الشعبي العراقي، والاهم تراجع إيران قائدة المحور عن دعم حلفائها والاستعاضة عن ذلك بالبحث عن صفقة حول سلاحها النووي ومكانتها الإقليمية لتفادي ضربة عسكرية إسرائيلية أميركية. والنظام العربي بمجمله ضد «حماس» ومكانه في ميزان القوى سلبي، يضاف إلى ذلك خسارة «حماس» لدعم الإخوان المسلمين وقاعدتهم الجماهيرية في الأردن بعد الإعلان الحكومي عن اكتشاف خلايا سرية تهدد أمن البلد. ولم يبقَ غير الحوثيين الذين يتعرضون لهجمات أميركية متواصلة بغية إخراجهم من المعادلة. في ظل الاختلال الفلكي الفادح في ميزان القوى، تعتقد «حماس» أنها تستطيع تفادي الخلل من خلال ورقة الرهائن، بفرض شروطها لإنهاء الحرب وانسحاب قوات الاحتلال. وتَبرْع الحركة في استخدام هذه الورقة من خلال فيديوهات بعض الأسرى وآخرها «نداء الجندي بوهبوت» الذي ظهر للعيان وهو يبكي ويستجدي تدخلا من الرئيس ترامب. وهي هنا تلعب على وتر حساس يؤثر بقوة في المجتمع الإسرائيلي الذي تفاعل مع قضية أسراه بالتظاهرات والاعتصامات والعرائض بمشاركة جنود احتياط وكبار ضباط سابقين وأحزاب المعارضة، وجلهم مع استعادة الرهائن ومع القبول بإنهاء الحرب والانسحاب. 62% من الإسرائيليين مع إبرام صفقة تحرر الرهائن وتنهي الحرب. ولتفادي احتمال تجريد «حماس» من ورقة الرهائن والعودة للحرب كما يقول كثير من الإسرائيليين، فإن «حماس» تشترط ضمانات دولية عبر قرار صادر عن مجلس الأمن يُفقد إسرائيل شرعية تجديد الحرب.
العنصر الأهم في تفاوض «حماس» هو بقاء سيطرتها على قطاع غزة بأي ثمن وبطرق التفافية، ما يعزز هذا الادعاء، استعداد قيادتها لقبول هدنة تصل إلى 15 سنة توقف خلالها العمليات وكل الأنشطة العسكرية ضد إسرائيل وتخزن الأسلحة في مستودع آمن وتتوقف عن تطوير الأسلحة وحفر الأنفاق. وتقبل الحركة بإدارة تكنوقراطية مستقلة بديلا لحكمها في قطاع غزة وفقا لصحيفة» تايمز أف إسرائيل». ومن اجل بقاء حكمها قامت «حماس» باستعراض قوتها بشكل مبالغ فيه، وقمعت المواطنين الذين طالبوها بالتراجع عن الحكم، وتحدثت عن تجنيد 30 ألف شاب جديد. ما يهم «حماس» خطب ود إدارة ترامب بالحديث عن صفقة بدون مراحل كما هي – خطة المفاوض الأميركي ويتكوف التي تتضمن الإفراج عن كل الرهائن مقابل أعداد من الأسرى الفلسطينيين وإنهاء الحرب وإنهاء حكم وسلاح «حماس». وهي تحاول مقايضة بقاء سيطرتها على القطاع وإن كان مواربة مع الأفكار الأميركية، مغفلة أن الحل الذي قدمته إدارة ترامب وتلقفته حكومة نتنياهو هو تهجير المواطنين من القطاع إلى غير رجعة. اصبح التهجير هو الحل الذي تبني حكومة نتنياهو مقوماته على الأرض، وفي مقدمة ذلك مواصلة حرب التدمير والإبادة والتجويع والإذلال والقهر – أي تدمير كل مقومات الحياة في قطاع غزة بما في ذلك منع الغذاء والدواء والوقود مرورا بضم الضفة وتهجير جزء من مواطنيها، وبإبرام صفقات مع دول مستعدة لقبول المهجرين، وانتهاء بشطب الحل السياسي وتقرير المصير للشعب الفلسطيني.
إن أي مراقب متواضع التفكير يستطيع الاستنتاج بأن حركة حماس التي لا تملك غير ورقة الرهائن ولا تستطيع من خلالها فرض شروطها على أعتى قوة عالمية وأعتى وأشرس قوة إقليمية. لو صح ذلك لأمكن القول، إن امتلاك رهائن بشرية له مفعول أقوى من امتلاك السلاح النووي. ميزان القوى قبل وأثناء وبعد طوفان الأقصى كان مختلا تماما ولا يمكن لأي مواجهة عسكرية أن تكون في مصلحة معسكر المقاومة مجتمعا وعلى انفراد. مقاومة الحلف الإسرائيلي الأميركي المنفلت من عقاله لها وسائل واستراتيجيات أخرى تحتاج إلى نقاش مستقل. ولا تولي قيادة «حماس» أي اهتمام بالإذلال والكارثة والمحن والمصائب التي يتعرض لها ملايين الفلسطينيين، ولا تعمل شيئا من اجل التخفيف من عذابهم ولا تحاول قطع الطريق على المصير المرعب الذي ينتظرهم. إذا كان مصير هؤلاء أهم من مصير التنظيم وحكمه فإن إنقاذهم يحتل الأولوية بدءا بعدم تقديم ذرائع لمواصلة حرب الإبادة والتدمير والتهجير. في غياب أهلية من يقودون المعركة ما أحوج الشعب الفلسطيني إلى مبادرة تنص على وقف الحرب ومبادلة الأسرى ونزع السلاح واستبدال حكم «حماس» بأسرع وقت ممكن، ودمج المبادرة الفلسطينية بالمشروع المصري العربي، وتتويج المشروع المشترك بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي على أمل أن يتحول إلى قرار. لا ينبغي إضاعة الفرصة ونحن على أبواب قمة عربية، وقمة سعودية أميركية. وقمة دولية برئاسة سعودية وفرنسية حول الدولة الفلسطينية. فإذا كان ترامب يعول كثيرا على المال العربي، فلا أقل من وقف حرب الإبادة أولا ومنع التهجير والضم ثانيا وإعادة الإعمار ثالثا. إنها المطالب التي تحظى بموافقة ودعم المجتمع الدولي بكل مؤسساته ولا مناص من نقلها إلى حيز التنفيذ.