تحليل للخطاب العربي حول تداعيات الحرب على حركة حماس، والحركات الإسلامية، والمقاومة المسلحة في عموم الشرق الأوسط
نشرة INSS رقم 2022 – 7 أغسطس 2025
بقلم: يوحنان تصوريڤ
تشير الانطباعات المستخلصة من النقاشات الواسعة في وسائل الإعلام والقنوات الفضائية العربية غير المنتمية إلى التيار الإسلامي إلى أن حركة حماس، بإطلاقها الحرب في 7 أكتوبر 2023، قد حفرت لنفسها ولغيرها من حركات المقاومة في الشرق الأوسط حفرة عميقة يصعب الخروج منها. فالغضب المتزايد تجاه حماس – نتيجة المعاناة الإنسانية الهائلة في قطاع غزة، والدمار الذي تسببت فيه، وفشلها في تحقيق الأهداف التي ادعت السعي إليها – دفع بمعظم المنتقدين، بما في ذلك أولئك القريبين من الحركة، إلى الاستنتاج بأن زمن الكفاح المسلح قد انتهى، وأن على الميليشيات المسلحة في الشرق الأوسط أن تُلقي سلاحها وتتجه نحو أشكال المقاومة السلمية. وكالعادة، تملك إسرائيل القدرة الأكبر على التأثير في هذا الخطاب – سواء داخل الساحة الفلسطينية أو حتى خارجها – إذا ما اختارت من جديد التعامل مع من اعترفوا بشرعيتها ومستعدون للتعايش معها.
ورغم استمرار الحرب في غزة والانشغال بمصير الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس، فقد بدأ نقاش فلسطيني وعربي واسع حول نتائج الحرب التي أطلقتها حماس في 7 أكتوبر. ومع تعمّق الإدراك لقوة إسرائيل، وتزايد القلق من هيمنة إسرائيلية – أمريكية في المنطقة، يبرز سؤال رئيسي: ما هو مستقبل المقاومة المسلحة، أو – وفق تعبير المحللين – مستقبل الميليشيات، في ظل الضربة القاسية لمحور المقاومة الإيراني، وفي ظل الخيارات الجديدة التي تظهر في الشرق الأوسط؟
يتم فحص مصير حركات كحزب الله، حماس، حركة الجهاد الإسلامي، التنظيمات التابعة للإخوان المسلمين، والميليشيات الشيعية في العراق، والجماعات الكردية المسلحة، ليس فقط تنظيميًا، بل أيضًا فكريًا وبراغماتيًا. فما جدوى الاستمرار في المقاومة المسلحة إذا كانت لا تحقق شيئًا سوى الأذى، ولا تخدم الهدف الذي تأسست من أجله؟
دعوة أحمد يوسف للمراجعة والتجديد
أحمد يوسف، أحد رموز حماس والمستشار السابق لإسماعيل هنية، نشر مؤخرًا سلسلة مقالات دعا فيها جماعة الإخوان المسلمين إلى مراجعة نقدية عميقة، معتبرًا أن بعد نحو مئة عام على تأسيسها، فإن إخفاقات الجماعة باتت تفوق نجاحاتها. وبما أن الأنظمة العربية ترى في حماس امتدادًا للإخوان المسلمين، فإنها تجد مبررًا لتجاهل “الدمار الشامل” الذي يحدث في غزة، بل والتآمر على حركات المقاومة الإسلامية أينما وُجدت، باعتبارها خصمًا معلنًا.
ويقترح يوسف أن تُعيد حماس والإخوان النظر في مسارهم، عبر الاعتراف بحدود القوة والواقع، وتغيير الخطاب الموجه للجمهور. ويقترح التخلي عن كافة أشكال العنف، والتركيز على الاحتجاج السلمي، و”الإعلان الصريح عن نبذ العنف المسلح في الداخل وفي أي ساحة يُستخدم فيها السلاح باسم الإسلام”، حتى لا يُوصم الإسلام بالإرهاب، ولمنع التدخلات الأجنبية. كما يدعو إلى تعزيز العلاقات مع الأنظمة العربية، وتجنّب أي تصعيد معها، وتشكيل شراكات وقائية مع الدولة.
مفكرون إسلاميون يدعمون هذا التوجه
يشاطر يوسف الرأيَ عددٌ من المفكرين الإسلاميين، مثل سعد الدين العثماني، رئيس وزراء المغرب السابق من حزب إسلامي، الذي يرى أن أي إصلاح يجب أن يتم بالشراكة مع الدولة، لا في مواجهتها. أما أحمد الريسوني، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فيعتبر أن أي فتوى دينية لا تأخذ الواقع في الحسبان تُعد باطلة. ومن جهته، يرى الدكتور محمد سليم العوّا – المفكر المصري المعروف – أن المجتمعات لا تُقاد من منبر المسجد، بل من خلال الانخراط الميداني. وفي الأردن، حيث ظهرت مظاهر دعم لحماس بعد 7 أكتوبر، يرى المفكرون الإسلاميون أن التعاون مع النظام يعزّز الرسالة الإسلامية ولا يضعفها.
ملاحقات إقليمية ودولية للحركات الإسلامية
يمكن فهم هذا التحول الفكري أيضًا في ضوء الإجراءات التي بدأت الأنظمة العربية اتخاذها ضد الحركات الإسلامية بعد 7 أكتوبر:
في مصر، حيث يتراجع الإخوان المسلمون منذ الإطاحة بمحمد مرسي عام 2013، اتُخذت خطوات ضد مؤسساتهم ونشطائهم، شملت تجفيف مصادر التمويل والاختراق الاستخباراتي العميق.
في الأردن، تم حظر جماعة الإخوان المسلمين في أبريل 2025، مع حظر جميع أنشطتها.
في تونس، تصاعدت الرقابة منذ 2021، ووصلت ذروتها مؤخرًا، حيث حُكم على راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، بالسجن 14 عامًا بتهمة تهديد أمن الدولة.
في المغرب، يعاني حزب العدالة والتنمية من تراجع منذ 2016 وخسارة في شعبيته.
في سوريا، رفض الرئيس الجديد أحمد الشرع، وهو قيادي سابق في تنظيم القاعدة، طلب الجماعة بإعادة فتح مكاتبها.
في لبنان، أُثيرت قضية نزع سلاح حزب الله بجدية، بعد الضربات القاسية التي تلقاها.
في أوروبا، يقود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جهودًا تشريعية لمنع تغلغل الإخوان في مؤسسات الدولة.
تآكل شرعية حماس بعد 7 أكتوبر
لقد فقدت حماس جزءًا كبيرًا من شرعيتها – التي كانت تستند إلى مقاومتها “للاحتلال الإسرائيلي” – منذ أحداث 7 أكتوبر، والتي تجاوزت حدود ما يُعتبر مقاومة مشروعة، وأصبحت تُصوَّر كخدمة لأجندات خارجية في العالم العربي. حتى الدعم الشعبي الذي تلقته الحركة في الأيام الأولى بعد العملية بدأ يتراجع في ظل الكارثة التي حلّت بغزة.
وفي قلب هذا النقاش الدائر، تتركز الأسئلة حول مستقبل الحركات الإسلامية، وسط إدانات قاسية من أطراف داخل الحركة الإسلامية وخارجها، بما في ذلك السلطة الفلسطينية. إذ يرى منتقدو الإخوان أن دعمهم الطويل لحماس جعلهم شركاء في النكسة الجديدة التي أصابت غزة. ويعتقد البعض أن هجوم 7 أكتوبر كان محاولة من جماعات الإخوان لاستعادة نفوذهم المتآكل، لكن النتائج جاءت معاكسة تمامًا.
كما يرى هؤلاء النقاد أن رفض حماس إطلاق سراح الأسرى، واشتراطها ضمان بقائها كحركة مقاومة رغم المعاناة الإنسانية الهائلة، يمثل دليلاً على انتهازية و”نفاق” حماس والجماعات الإسلامية الشبيهة بها.
ردود الفعل من الداعمين لحماس
حتى أوساط المؤيدين لحماس باتت تُبدي قلقًا بالغًا، وترى أن دروس الحرب يجب أن تكون عميقة. خالد الحروب، أحد أبرز الباحثين في شؤون حماس والحركات الإسلامية، والمقرّب من قادتها، يرى أن المقاومة المسلحة يجب أن تتغير، ولا يمكن أن تستمر كما كانت بعد 7 أكتوبر. ويصف الحروب “الاستعمار الاستيطاني” الإسرائيلي بأنه يختلف جذريًا عن الاستعمار البريطاني أو الفرنسي، لأنه لا يرحل بل يبقى ويدّعي أن الأرض له، ويسعى لطرد السكان الأصليين. ويقول إن إسرائيل تتمتع بـ”ضوء أخضر” أمريكي وأوروبي، لذا لا بد للفلسطينيين من تطوير أدوات مقاومة جديدة لمنع تفتت شعبهم، داعيًا إلى أساليب مقاومة شبيهة بما فعله غاندي.
ويحذر الحروب من محاولات إسرائيل تفتيت الشعب الفلسطيني إلى عشائر ومكونات فرعية، داعيًا إلى العمل على تعزيز وحدة الفلسطينيين ومنع نزوح سكان غزة في حال فُتحت المعابر.
إسرائيل… والفرصة الضائعة؟
إن تعامل إسرائيل مع خصومها في الشرق الأوسط هو بمثابة مختبر لاختبار تغير مواقف هؤلاء. فقد بدأت الدول العربية، منذ أواخر السبعينيات، تتخلى عن هدف إزالة إسرائيل، ووقّعت اتفاقيات سلام معها. وكان أبرز تطور في هذا المسار اعتراف منظمة التحرير بمبدأ حل الدولتين في أواخر الثمانينيات، ثم مبادرة السلام العربية في 2002. ومع تزايد قناعة الأطراف بأن الصدام مع إسرائيل لا يُضعفها، بل يقوّيها، بدأت الأصوات تتعالى – حتى في أوساط حماس – للمطالبة بالتخلي عن المقاومة المسلحة.
ويمكن لإسرائيل أن تسهم كثيرًا في هذا التحول إذا ما اختارت اعتبار من يعترف بها – كمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية – شركاء في العملية السياسية، وهو ما ترفضه الحكومة الإسرائيلية الحالية رغم اعتراف الحكومات السابقة بالسلطة كطرف تفاوضي.
> الآراء الواردة في منشورات معهد دراسات الأمن القومي (INSS) تعبّر عن رأي الكاتب فقط.
عن الكاتب: يوحنان تصوريڤ
باحث كبير في معهد دراسات الأمن القومي، ومتخصص في العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية، والمجتمع الفلسطيني، وعلاقته بإسرائيل والمستوطنات، والنظام الداخلي للفصائل الفلسطينية.