خلافات بشأن “رؤية مستقبل غزة” تسبق قمة القاهرة
تتزايد المخاوف من أن تؤدي التباينات العربية المتصاعدة إلى عرقلة أي محاولات للتوصل إلى رؤية موحدة بشأن مستقبل قطاع غزة، خصوصاً في ظل التعقيدات السياسية والمواقف المتباينة بين الدول العربية. فقد كشفت مصادر دبلوماسية أن اجتماع الرياض الأخير، الذي عقد يوم الجمعة الماضي، وضمّ قادة السعودية ومصر وقطر والأردن والكويت والإمارات والبحرين، لم يسفر عن توافق واضح بشأن مستقبل غزة أو تصور مشترك لحل أزمة القطاع، ما انعكس في غياب بيان مشترك أو أي تصريح رسمي من أي من الدول المشاركة عقب انتهاء اللقاء.
وبرزت خلافات بين القاهرة ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يحاول حشد الدعم لخطة بشأن مستقبل غزة يرى أنها البديل المناسب لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، القائمة على تهجير الفلسطينيين من القطاع، وكذلك لمقترح تعمل مصر على صياغته. وتعود معارضة القاهرة لخطة عباس إلى اعتبارات تتعلق بمدى واقعيتها، خصوصاً مع تحفظ العديد من المانحين، على رأسهم الإمارات، على تولي السلطة الفلسطينية إدارة أموال إعادة الإعمار، وفق ما أفادت به مصادر دبلوماسية مصرية.
وفي ظل هذا المشهد، يبدو أن قطر والكويت هما الطرفان الأكثر استعداداً لتحمل العبء المالي الأكبر في إعادة إعمار قطاع غزة، وهو ما اتضح في تدفق المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة في الأيام الأخيرة من دولة قطر. وفي مواجهة الموقف المصري والإماراتي الرافض لخطة محمود عباس، بدأ الأخير في اتصالات دبلوماسية لحشد التأييد العربي لمبادرته، مستهدفاً السعودية على وجه التحديد في محاولة لإقناعها بتبني رؤيته خلال القمة العربية المرتقبة في القاهرة.
وتتمحور رؤية عباس حول تمكين السلطة الفلسطينية من تولي مهامها ومسؤولياتها في قطاع غزة، على غرار إدارتها للضفة الغربية المحتلة، وذلك لتأكيد وحدة الأرض الفلسطينية، وولايتها الجغرافية والسياسية والقانونية. وتتضمن الخطة ضرورة ضمان الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، إضافةً إلى تسلّم السلطة الفلسطينية جميع المعابر، بما في ذلك معبر كرم أبو سالم ومعبر رفح الحدودي مع مصر، على أن يتم تشغيل هذه المعابر بالتعاون مع مصر والاتحاد الأوروبي، وفقاً لاتفاق عام (اتفاقية حركة التنقل والوصول بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية). وأعدّت الحكومة الفلسطينية خطة لإعادة الإعمار، تضمن بقاء السكان داخل القطاع، وذلك بالتشاور والتعاون مع القاهرة والمنظمات الدولية، بما في ذلك البنك الدولي ومنظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
من جهتها، تعمل مصر على وضع تصور بديل، يتضمن تشكيل لجنة مستقلة مؤقتة لإدارة غزة تحت إشراف حكومة رام الله، مع تولي القاهرة والاتحاد الأوروبي مهام الإشراف على عملها، ما يعكس استمرار الجهود المصرية للبحث عن مخرج سياسي للأزمة.
القمة العربية المرتقبة
ومن المتوقع أن تعقد القمة العربية الطارئة في الرابع من مارس/آذار المقبل بالقاهرة، في ظلّ هذه التباينات. ورغم أهمية هذا الاجتماع، تشير بعض التقديرات إلى أن التوصل إلى قرارات حاسمة قد يكون صعباً بسبب الخلافات المستمرة بين الأطراف العربية. ووفقاً لمصدر دبلوماسي عربي، فإن القمة ستشهد نقاشاً حول خمسة ملفات رئيسية، تشمل الوضع الفلسطيني، ولبنان، والسودان، وسورية، ومكافحة الإرهاب، وسيتولى الجانب المصري رئاسة الجلسة المخصصة لملف فلسطين، بينما ستتولى البحرين رئاسة النقاشات حول بقية القضايا.
ويرى مراقبون أنه وسط كل هذه التباينات، تبقى المخاوف قائمة بشأن قدرة الدول العربية على تجاوز خلافاتها والتوصل إلى رؤية موحدة بشأن غزة. فمع استمرار الاستقطاب السياسي، يبقى مدى إمكانية تجاوز هذه الخلافات لتحقيق توافق عربي فعّال يدعم القضية الفلسطينية، رهينة للانقسامات التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الجمود في المشهد.
وفي السياق، قال نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، مختار الغباشي، لـ”العربي الجديد”، إن غياب البيان المشترك عن اجتماع الرياض يعود إلى طبيعته الأخوية، حيث كان من الواضح أن أي بيان أو تصريح قد يثير استياء بعض الأطراف الأخرى. لذا، تمّ الحرص على أن يكون اللقاء ودياً، مع التوصل إلى تفاهمات بين مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء سلطنة عُمان، بشأن مستقبل غزة في ما خصّ قضايا التمويل ووضع إطار عام مشترك، دون التسبب في أي حرج على المستوى الإقليمي أو في علاقات مجلس التعاون مع أطراف أخرى.
من جهته، أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، مخيمر أبو سعدة، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن القمة العربية المرتقبة من المتوقع أن ترفض خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تهدف إلى إخراج الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن. كما يُتوقع أن تحظى الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، دون تهجير سكانها، بتأييد واسع.
وأضاف أبو سعدة أن هناك بعض النقاط العالقة التي لا تزال بحاجة إلى توافق، أبرزها مسألة من سيتولى حكم غزة بعد انتهاء الحرب، ومستقبل سلاح المقاومة، وهو ما يخلق فجوات في المواقف بين الدول العربية.