قرر مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي احتلال قطاع غزة المدمر والخاضع لسيطرة جيش الاحتلال باستثناء مدينة غزة ومخيمات وسط القطاع.
التريث الإسرائيلي على مدار 22 شهراً في تدمير واحتلال ما تبقى من القطاع يعود لوجود الأسرى الإسرائيليين فيه.
السؤال إلى أي مدى يستطيع كابينت الحرب المغامرة في هجوم يهدد حياة البقية الباقية من الأسرى في الوقت الذي يفضل فيه 54%من الإسرائيليين إنهاء الحرب كلياً وانسحاب الجيش والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين مقابل أقلية إسرائيلية من 28% يؤيدون توسيع الحرب.
الأهداف المعلنة للهجوم الإسرائيلي المزمع شنه هي الأهداف ذاتها التي يتكرر الإعلان عنها على لسان نتنياهو وهي: نزع سلاح حماس والفصائل الأخرى، إخضاع القطاع لسيطرة أمنية إسرائيلية بعد تجريده من السلاح، إطلاق سراح الرهائن، تنصيب إدارة مدنية جديدة لحكم القطاع، وفتح الأبواب أمام هجرة «طوعية» وواقع الحال قسرية أمام أكبر عدد ممكن من 2.3 مليون مواطن.
46 % من الإسرائيليين يعتقدون أن استمرار الحرب يعود إلى اعتبارات سياسية كالحفاظ على الائتلاف الحاكم مقابل 25% يعتقدون أن استمرار الحرب لحسم المعركة مع حماس و19% لتحرير الرهائن.
استمرار الحرب وإطالتها هدف يفوق في أهميته الأهداف الأخرى، ويتجاوز مخاوف المعارضة الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية، من تعميق الانقسام الداخلي، وتآكل شرعية إسرائيل الدولية، وتعريض حياة الرهائن للخطر، وخسائر في صفوف الجنود.
هذه المخاطر قابلة للاحتواء وتفادي خطورتها أمام الأهداف التي يسعى نتنياهو لتحقيقها.
الخلاص من قطاع غزة أولاً ليس كتهديد أمني وحسب وإنما كخطر جيوسياسي له دور أساسي في تقرير المصير الفلسطيني، وبخاصة بعد أن بدأ العالم يستخلص الدرس من تجربة التواطؤ مع الإنكار الإسرائيلي للحقوق الفلسطينية المشروعة المعرفة في القانون الدولي ورفضه لأي حل سياسي يؤدي إليها وتأثير ذلك سلباً على الاستقرار والمصالح والاستقطاب على صعيد إقليمي وكوني.
نتنياهو يريد من مواصلة الحرب نسف الأساس المادي الذي تستند إليه المبادرة الفرنسية السعودية المدعومة من أكثرية دول العالم في إقامة دولة فلسطينية. والنسف لا يكون إلا بإخراج قطاع غزة من المعادلة، إلا بتدمير البقية الباقية من المدن والبلدات والمخيمات وتحطيم وتفكيك المجتمع وتهجير أكثريته.
ولتحقيق ذلك يغتنم نتنياهو وجود إدارة ترامب في البيت الأبيض التي تدعم سياسته عن ظهر قلب وتتصدى لكل من يحاول معاقبة إسرائيل أو الضغط عليها.
من خلال حرب غزة المفتوحة خاض نتنياهو حروبه في لبنان وسورية وإيران واليمن والضفة الغربية وحقق إنجازات كبيرة، يعتقد أنها تساعده في إعادة بناء شرق أوسط جديد لا تكون فلسطين وشعبها على خرائطه.
وعلى نار حرب غزة يسعى نتنياهو لمواصلة الانقلاب القضائي وتقويض الديمقراطية الإسرائيلية الداخلية، ممهداً الطريق للفوز في الانتخابات القادمة والتتويج كملك لإسرائيل دون منازع.
بعض التقديرات تقول إن قرار تقديم الخطط الحربية لاحتلال ما تبقى من قطاع غزة، هدفه الضغط على حماس للقبول بصفقة جزئية أو كاملة. ولكن هل الصفقات بأنواعها ستغير من أهداف نتنياهو ونتيجة الحرب ؟ وهل تملك حماس والجهاد ومجموعات المقاومة في قطاع غزة القدرة على تغيير المسار وإفشال الأهداف الإسرائيلية من خلال مواصلة الحرب واستخدام ورقة 20 أسيراً، وعبر تجديد القدرة على إيقاع الخسائر في صفوف المهاجمين المعتدين.
لم تكن قيادة الحركة صريحة مع ذاتها ومع شعبها في التعريف بالقدرات التي تمكن الحركة من قبول الاستمرار في الحرب. كتوفر السلاح والإمداد به، وتوفر الحلفاء الذين صمتوا صمت القبور باستثناء المشاركة الرمزية للحوثيين، ومنع الغذاء والدواء بشكل منهجي لتدمير أجساد وحياة المواطنين والأبرياء بمستوى غير مسبوق في تاريخ الحروب ويرقى إلى أبشع الجرائم بحق الإنسانية.
ويلاحظ أن قوات الاحتلال تلجأ إلى تكتيك إخلاء المدنيين من مربع سكني، يلي الإخلاء تدمير ما تبقى من منازل وجدران وبشر، والانتقال إلى مربع سكني آخر. وهذا لا يتيح الاشتباك إلا في حالات قليلة، تتضمن خطة جيش الاحتلال إخلاء حوالى مليون مواطن وتكديسهم في المناطق الحدودية استعداداً للتهجير.
هل الحفاظ على حياة الأسرى المحتجزين سيمنع قوات الاحتلال من تدمير المربعات التي يوجدون داخلها؟
لا يوجد ما يؤكد على الامتناع عن التدمير، مع وجود احتمال بحصر قوات الاحتلال للمناطق التي يوجد داخلها الأسرى في أضيق مساحة ومواصلة الضغط. لا شك في أن وجود أسرى سيطيل أمد الحرب لمصلحة أهداف نتنياهو، وفي كل الأحوال فإن إطالة أمد المعركة ليس في صالح 2.3 مليون مواطن لجهة تلاشي القدرة على الحفاظ على بنية وتماسك المجتمع وبنية الفرد الجسدية والنفسية.
هم يخسرون جنوداً وأسرى وينبذون ويعزلون دولياً ونحن نخسر مجتمعنا ووجودنا وهو الأساس والأصل في كل عملية تحرر.
لنفترض أن حكومة نتنياهو قبلت بوقف الحرب وبالانسحاب الكامل من قطاع غزة وفتحت كل المعابر أمام الغذاء والدواء والوقود في مقابل الإفراج عن 20 أسيراً و30 جثماناً إسرائيلياً، لكن هل تقبل ببقاء السلاح وتنظيمات مسلحة في قطاع غزة؟ إذا قبلت بذلك فمن يمنعها من مواصلة الحرب ضد أسلحة ومسلحين عن بعد، كما تفعل الآن في لبنان وفي سورية، من يمنعها من حظر إعادة البناء وبخاصة المستشفيات والمدارس والمنازل، من يمنعها من تكبير مساحة المناطق العازلة، من يمنعها من تهجير الناس وبخاصة الشباب والكفاءات ؟
أمام الشعب الفلسطيني خيار آخر هو وقف الحرب باتفاق فلسطيني عربي دولي. الاتفاق الذي عبرت عنه الوثيقة الصادرة عن مؤتمر نيويورك والدول التي وقعت عليها، والدول التي اعترفت سابقاً والدول التي ستعترف بالدولة الفلسطينية.
160 دولة أكثر أو أقل ومعها سائر المنظمات الدولية والحقوقية بما في ذلك المنظمات الحقوقية ومجموعات السلام الإسرائيلية تشكل ضمانة للتطبيق والاستمرار.
إذا كان الانتقال من النضال العنفي إلى النضال اللاعنفي، والقبول بنزع السلاح من قطاع غزة والضفة الغربية هو الثمن المطلوب من الدول الـ 160 فهذا يحسب لمصلحة الشعب الفلسطيني، ولا يعوز العقلاء والمكتوين بنار التجربة الفاشلة للمقاومة الإسلامية الدليل على صوابية الانتقال وعلى خطأ الاستمرار في المقامرة حتى نهايتها الفاجعة.
ثمة حاجة إلى أن يتضمن الاتفاق وجود قوة حماية عربية دولية تشرف على التطبيق وتؤمن الحماية للشعب الفلسطيني في الفترة الانتقالية ما قبل الانتخابات. خياران لا ثالث لهما. خيار حرب الإبادة والتصفية التي يتحكم بها نتنياهو، وخيار وثيقة نيويورك التي تدعمها 160 دولة.