ديكارت ورحلة الشك.. هل يمكن أن تكون حياتنا مجرد وهم؟
حين تتساءل: “هل كل ما أراه وأشعر به حقيقي؟”، فأنت تتبع خطى رينيه ديكارت، الفيلسوف الفرنسي الذي يصادف ذكرى وفاته اليوم حيث أحدث ثورة في الفكر الغربي بمنهجه الشكي، في زمن كان الناس يقبلون الحقائق كما هي، قرر ديكارت أن يهدم كل شيء ليعيد بناء المعرفة على أسس يقينية لا تقبل الشك. لكن هل نجح؟
الشك في كل شيء: البداية نحو اليقين
في كتابه الشهير “تأملات في الفلسفة الأولى”، بدأ ديكارت رحلته الفكرية بطرح سؤال جوهري: “كيف أميز بين الحقيقة والوهم؟”، رأى أن كل ما نعرفه يأتي من الحواس، لكن الحواس قد تخدعنا، فعلى سبيل المثال، العصا المغموسة في الماء تبدو مكسورة رغم أنها مستقيمة، والأحلام تبدو واقعية حتى نستيقظ. إذا كانت الحواس تخطئ أحيانًا، فكيف نثق بها؟
الشك المنهجي: خطوة نحو الحقيقة
لم يكن ديكارت يسعى إلى إنكار كل شيء، بل استخدم “الشك المنهجي” كأداة لتنقية المعرفة من الأخطاء، وضع فرضية متطرفة تقول: “ماذا لو كان هناك كائن خبيث (شيطان مخادع) يخدعني باستمرار؟” ربما العالم من حولي مجرد وهم، وربما كل ما أؤمن به خاطئ.
اليقين الوحيد: “أنا أفكر، إذن أنا موجود”
وسط هذا الشك الجارف، وجد ديكارت حقيقة لا يمكن دحضها: “أنا أفكر، إذن أنا موجود”. فحتى لو كان هناك من يخدعه، فهو على الأقل مدرك لوجوده ككائن مفكر. ومن هنا، بدأ في إعادة بناء المعرفة على هذا الأساس الصلب.
الحواس والعقل: من يملك الحقيقة؟
بعدما أثبت وجوده ككائن مفكر، تساءل ديكارت: هل يمكن للحواس أن تقدم معرفة يقينية؟ توصل إلى أن العقل أكثر موثوقية من الحواس، لأن الأحكام القائمة على التفكير المنطقي أكثر دقة من الإدراك الحسي.
لكنه لم يرفض الحواس تمامًا، بل رأى أنها قد تكون صحيحة إذا تم التحقق منها بالعقل. فمثلًا، لو رأيت الشمس تغرب، قد أعتقد أنها تتحرك، لكن العقل والعلم يخبراني أن الأرض هي التي تدور.
كيف أثّرت أفكار ديكارت على الفلسفة والعلم؟
منهجه الشكي أسس للفلسفة العقلانية الحديثة، وألهم مفكرين مثل إيمانويل كانط وجون لوك. كما كان لشكه المنهجي دور في تطوير المنهج العلمي، حيث أصبحت التجربة والبرهان العقلي أساس البحث العلمي، بدلًا من قبول المعرفة التقليدية دون تفكير.