نشر موقع “ذي هيل” مقالا للعقيد المتقاعد في الجيش الأمريكي، كولين باسكال، قال فيه إن إسرائيل تقوم بتدمير سمعتها بسبب إصرارها على تدمير حماس.
وهو إن أكد في بداية المقالة على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحماية أرواح مواطنيها، إلا أنها حققت أهدافها قصيرة الأمد في الحرب ضد حماس. ولكن تصميم إسرائيل على تدمير الحركة ومنع تهديدها للأبد مستحيل، لأنه لا يوجد شيء أبدي في الأمور الجيوسياسية.
فكل ما تستطيع الدول عمله هو إدارة الوضع من خلال المهارة والإصرار حتى تتغير الظروف الكامنة. وقد كان هذا صحيحا بالنسبة للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، وينطبق اليوم على دولة مثل كوريا الجنوبية.
وبسعيها إلى حل دائم بدلا من قبول نصر محدود، تلحق إسرائيل الآن ضررا أكبر من النفع، حيث يستمر التعاطف العالمي مع الفلسطينيين، وهذا يؤثر على تصرفات الحكومات، حيث تتخذ المزيد من الدول خطوات حاسمة بالاعتراف بدولة فلسطينية. كما أن الصور التي تظهر أطفال غزة الجوعى الذين ذبلت أجسامهم وهزلت لا تزال محفورة في الأذهان، وهي التي ستظل حاضرة بشكل دائم ولأجيال. مع أن الكاتب هنا يرى أن الصور التي عرضت لم تكن دقيقة، ولكنه يقر بأنها مؤثرة.
وهو ما دفع إسرائيل حسب قوله إلى وقف تكتيكي للعمليات العسكرية والسماح بمزيد من المساعدات، وهو ما يظهر اعترافا بأن الرأي العام العالمي يتغير ضدها. ويتبنى الكاتب أيضا فكرة أن حماس بيدها وقف القتال لو ألقت سلاحها وغادرت القطاع. ويقدم الكاتب هنا وجهة نظر ناقدة لحماس التي يتهمها بأنها لن تتخذ قرارا يوقف الحرب. ومن هنا فإذا رفضت، فإن إسرائيل يجب عليها اتخاذ القرار الصعب.
ويقول باسكال إن على كل دولة ناجحة أن تستبدل العاطفة بالعقلانية، وأن تدرك حدود قوتها. ولا يمكن لإسرائيل الاستمرار في هذه الحرب دون الإضرار بسمعتها الدولية بطريقة لا رجعة فيها. عليها أن تتقبل هذه الحقيقة، وأن توقف القتال. وبالفعل، تضررت علاقة إسرائيل مع شريحة كبيرة من الناخبين الأوروبيين والأمريكيين، وتزداد سوءا. وتحولت إسرائيل إلى قضية حزبية في الولايات المتحدة، بعد أن كانت تحظى في السابق بدعم شبه كامل من الحزبين. حتى الجمهوريون الذين ظلوا ثابتين على دعمهم بدأوا يترددون.
وفي أوائل آب/أغسطس، صوت 24 عضوا ديمقراطيا في مجلس الشيوخ على مشروع قرار لحجب المساعدات العسكرية إلى إسرائيل. ويمكن للأمريكيين الذين يقدمون الدعم غير المشروط لإسرائيل توجيه الإتهامات لمن لا يدعمونها بمعاداة السامية أو السذاجة، ربما كان بعضهم كذلك، كما يقول.
في النهاية، ما يهم إسرائيل هو حقيقة أن الكثير من الأمريكيين يغيرون نظرتهم لها، ويخاطرون بكسر العلاقة الخاصة التي ساهمت كثيرا في دعم إسرائيل منذ تأسيسها. ويضيف أن حماس منهكة جدا حتى لو لم يتم تدميرها، فيما أصبحت قدرتها على تهديد المدنيين الإسرائيليين محدودة. وعلى إسرائيل أن تتقبل حقيقة أنها لا تستطيع القضاء على حماس قبل انهيار الدعم العالمي لأفعالها وعليها أن تغير استراتيجيتها وفقا لذلك.
ويجب عليها الانسحاب من معظم غزة، ثم السيطرة بقوة على الحدود بين إسرائيل والقطاع. وفي نهاية المطاف، لم يكن هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر فعالا إلا بسبب هشاشة الدفاعات الإسرائيلية.
وتظل قدرات إسرائيل الاستخباراتية والمراقبة هائلة، حتى لو أثبت ذلك اليوم أنها ليست منيعة، ومن غير المرجح أن تفاجأ البلاد مرة أخرى. وقد نجح العمل العسكري الإسرائيلي في غزة، إذا تم تعريف النجاح بأنه جعل إسرائيل آمنة على المدى القريب. ومحاولة جعل إسرائيل آمنة إلى الأبد ترف لا تستطيع إسرائيل تحمله بسبب القيود التي يفرضها الرأي العام العالمي.
ودعا باسكال الولايات المتحدة إلى مساعدة إسرائيل على إدراك أن استمرار الحرب في غزة لم يعد في مصلحتها. فقد أعاد الجيش الإسرائيلي قدرات الردع، وسيؤدي استمرار الصراع إلى تغييرات سلبية وبعيدة المدى في علاقة إسرائيل بالعالم. ومن هنا يحتاج القادة الإسرائيليون إلى موازنة هذه النتيجة مع الخطر الذي يشكله استمرار وجود حماس في غزة. وسيخطئون في الحسابات إذا استنتجوا أن المشاعر العامة العالمية أقل أهمية من التهديد العسكري المتبقي من حماس.
وبسعيها لتحقيق هدفها المتطرف، تخاطر إسرائيل بمكانتها في العالم وسمعتها كفاعل أخلاقي. ولأن الدولة تعرف نفسها بأنها الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، فإن تصور أفعالها يلعب دورا في كيفية النظر إلى الشعب اليهودي حول العالم. وبالفعل، يتزايد العداء تجاه اليهود، على حد قوله.