جاء ردّ حماس على خطة ترامب ذكياً ومسؤولاً وإيجابياً؛ إذ رحّبت بالجهود الأمريكية وقالت “نعم” واضحة، خصوصاً فيما يتعلق بالإفراج عن جميع الأسرى ضمن صفقة تبادل، مع إبقاء باب التفاوض مفتوحاً حول التفاصيل والجدول الزمني والضمانات. كما أكدت رفض الوصاية من خلال المطالبة بإدارة محلية فلسطينية في إطار توافق وطني، وتركَت مسألة الموقف من البنود المتعلقة بالحقوق الوطنية في ملعب الكلّ الوطني.

أما سبب هذا الترحيب المشروط بخطة تحقق معظم المطالب الإسرائيلية بصيغة “نعم ولكن” من دون قبول أو رفض كامل، فهو أن الرفض يُعدّ بمثابة انتحار سياسي وعسكري، لأنه يمنح إسرائيل غطاءً إقليمياً ودولياً لمواصلة الإبادة بأشدّ ضراوة. وفي المقابل، فإن القبول المطلق يعني الاستسلام من دون ضمانات لوقف الحرب ومنع التهجير والانسحاب وإعادة الإعمار. أمّا القبول المقترن بالمطالبة بإيضاحات وتفصيلات والتفاوض على آليات التنفيذ، فهو يلقي الكرة مجدداً في ملعب نتنياهو ويعيده إلى دائرة العزلة بعد أن صوّر نفسه منتصراً وعازلاً لحماس، ويمنح الحركة هامشاً يساعدها على السعي لوقف الحرب من دون تحمّل مسؤولية استئنافها إن وقع.

رهان حماس يقوم على أن ما يهم ترامب بالدرجة الأولى هو تحقيق إنجاز شخصي يرضي ذاته ويعزز فرصه في الحصول على جائزة نوبل للسلام، وهذا يمكن أن يتحقق عبر صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب، بينما تبقى القضايا الأخرى ثانوية بالنسبة له، وهي بطبيعتها ستُحسم على الأرض وفق موازين القوى والتوافقات الإقليمية والدولية. فهذه الحرب، في الغالب، لن تنتهي باتفاق نهائي بل ستُضاف إلى قائمة ،ا الحروب غير المكتملة.

من المسائل التي ستبرز لاحقاً أن دور حماس كطرف أساسي في المفاوضات سيتراجع  فور إنجاز صفقة التبادل، في ظل وجود موقف إقليمي ودولي يطالب بإخراجها من الحكم، وهي وافقت مبدئياً على ذلك. غير أنها ستقاتل للحفاظ على وجودها ودورها، وقد تضطر لإعادة تشكيل نفسها عبر الفصل بين الجانب السياسي والعسكري، أو من خلال إنشاء حزب جديد. لكن المؤكد أن حماس لن تختفي، بل ستبقى لاعباً مهماً بصورة مغايرة لما كانت عليه، ما لم تشهد الحركة الوطنية الفلسطينية بكل أطيافها تغييراً في الفكر والسياسة والأداء يطرح بدائل وطنية جديدة تلائم المرحلة المقبلة. فإذا عجزت الحركة الوطنية عن ذلك، سيسعى الاحتلال وداعموه من جهة، وأطراف إقليمية ودولية من جهة أخرى، إلى ملء الفراغ.

أما مسألة نزع سلاح حماس فليست بالقدر من الأهمية الذي يُصوَّر به، إذ إن 90% من سلاحها قد دُمّر كما أشار موسى أبو مرزوق، وما تبقى في معظمه سلاح خفيف لا يمكن نزعه حتى لو رغبت الحركة بذلك، خصوصاً أنها ربطت مسألة السلاح بإقامة الدولة الفلسطينية. 

ترحيب ترامب بردّ حماس من دون تنسيق مسبق مع إسرائيل يعكس استعجاله لتحقيق إنجاز سريع، بينما تعيش حكومة نتنياهو صدمة مما تعتبره “رفضاً مغلّفاً بنعم”، وهو ما قد ينعكس على موقف ترامب نفسه تبعاً لردة الفعل الإسرائيلية. 
 
وعلى ضوء ما سبق ما هي السيناريوهات المطروحة.

السيناريو الأول: المضي بتنفيذ صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب
في هذا الاحتمال يركز ترامب على إنجاز ملموس وسريع يعزز صورته كصانع سلام، من دون الغوص في تفاصيل القضايا المعقدة مثل الانسحاب أو مستقبل غزة أو الدولة الفلسطينية. نجاح هذا السيناريو يحقق مكاسب إنسانية مباشرة (الإفراج عن الأسرى، وقف إطلاق النار) ويمنح ترامب رصيداً سياسياً وإعلامياً كبيراً، لكنه يترك جذور الأزمة قائمة ويحوّل الاتفاق إلى هدنة مؤقتة أكثر من كونه تسوية دائمة. خطر هذا السيناريو أن يؤدي إلى استراحة قصيرة قبل عودة الحرب ولو بأشكال أخرى قد تكون أقرب الى ما يجري في لبنان، لكنه يُعد الأكثر واقعية من حيث إمكانية التنفيذ على المدى القصير.

السيناريو الثاني: تراجع ترامب عن ترحيبه ومطالبته حماس بإزالة تحفظاتها
هذا السيناريو يضع حماس أمام معضلة صعبة: إما أن ترفع تحفظاتها وتقبل عملياً بالشروط الإسرائيلية، وهو ما يضعفها داخلياً ويظهرها بمظهر المستسلم؛ أو أن ترفض فتُتهم بأنها أفشلت فرصة تاريخية للسلام، مما يمنح إسرائيل غطاءً دولياً واسعاً لمواصلة حربها. نجاح هذا السيناريو مرهون بمدى استعداد حماس للمناورة وقدرتها “على تحميل إسرائيل مسؤولية التعطيل. في المقابل، يُفقد ترامب صورته “كوسيط “براغماتي” ويعيده إلى خانة التماهي مع الموقف الإسرائيلي.

السيناريو الثالث: منح الضوء الأخضر لنتنياهو لمواصلة الحرب
في هذا الاحتمال، ينسجم ترامب مع رؤية نتنياهو القائلة بضرورة “إكمال المهمة”، أي إضعاف حماس عسكرياً وسياسياً إلى الحد الأقصى قبل أي تسوية. نجاح هذا السيناريو بالنسبة لإسرائيل يعني استمرار محاولتها فرض شروطها بالقوة، لكنه يحمل مخاطر كبرى: تفاقم الكارثة الإنسانية، توسيع عزلة إسرائيل دولياً، وإمكانية انفجار إقليمي أوسع. أما ترامب، فسيخسر صورة “صانع السلام” التي يسعى إليها، ويظهر كراعٍ مباشر لحرب إبادة. ومع ذلك، قد يجد هذا السيناريو دعماً في أوساط يمينية أمريكية وإسرائيلية ترى أن القوة وحدها هي الحل.

???? خلاصة:

السيناريو الأول هو الأقرب للتنفيذ على المدى القصير لأنه يمنح كل الأطراف مكسباً ما من دون حسم الملفات الكبرى.

السيناريو الثاني يفتح الباب أمام مأزق سياسي لحماس وترامب معاً.

السيناريو الثالث يكرّس الحرب ويفتح احتمالات الانفجار الإقليمي، لكنه يُرضي نتنياهو وحلفاءه.

شاركها.