تُعد القضية الفلسطينية من أقدم وأعقد الاحداث في التاريخ الحديث، وقد شهدت تطورات متسارعة في الآونة الأخيرة، خاصة مع تصاعد العمليات العسكرية في قطاع غزة.
وفي خضم هذه الأحداث، تبرز أهمية الاصطفاف العالمي والمواقف الدولية الموحدة تجاه إسرائيل، ليس فقط لوقف المجازر الحالية، بل لتشكيل الوعي التاريخي والقانوني الذي قد يوصم إسرائيل كدولة مجرمة حرب ( وهي كذلك ) عبر التاريخ.
وعندما يموت الأشخاص، تظل الحقيقة خالدة، وتتراكم الأدلة والشواهد لتشكل سردية تاريخية لا يمكن محوها.
ومؤخرا شهدت المواقف الدولية تجاه إسرائيل تحولاً ملحوظاً خاصة بعد تصاعد الأحداث في قطاع غزة. وبعد فترة طويلة من الدعم أو الصمت من قبل العديد من الدول الغربية، بدأت بعض الدول الأوروبية الكبرى، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، في زيادة حدة انتقاداتها للسياسات الإسرائيلية في غزة، بما في ذلك سياسات التجويع الذي ينتهجها كيان الاحتلال .
هذا التحول يعكس تآكلاً في الغطاء السياسي الذي كانت تتمتع به إسرائيل فعلى سبيل المثال، دعت إسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا والنرويج إلى قبول دولة فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة،
كما لوحت باريس ولندن وبرلين بمراجعة العلاقات وفرض عقوبات على إسرائيل، وأعلنت عدد من الدول الاوروبية موقفاً مشتركاً يدعو إسرائيل إلى إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة فوراً والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
قانونيا تستند فكرة وصم إسرائيل كدولة مجرمة حرب إلى مجموعة من المبادئ الدولية والسوابق التاريخية.
فالقانون الدولي الإنساني، ممثلاً باتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية، يحدد القواعد التي تحكم النزاعات المسلحة ويهدف إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال، مثل المدنيين .
وقد وجهت اتهامات عديدة لإسرائيل بانتهاك القانون، بما في ذلك سياسات التجويع، واستهداف البنية التحتية المدنية، وعدم التمييز بين المقاتلين والمدنيين.
والحقائق تقول أن إسرائيل تتلاعب بالقانون الدولي الإنساني لتبرير أفعالها وتصوير غزة كأرض للإرهابيين، مما يسهل العنف الجماعي تحت ستار العمليات العسكرية.
تاريخياً، هناك العديد من الأمثلة على كيانات ودول تم وصمها بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، مثل محاكمات نورنبرغ بعد الحرب العالمية الثانية، كما ان المحكمة الجنائية الدولية هي الهيئة القضائية الرئيسية التي تحاكم الأفراد عن الإبادة واتفاقيات جنيف وسعت اختصاص المحاكم الوطنية لمقاضاة مرتكبي هذه الجرائم، مما يعزز مبدأ الاختصاص القضائي العالمي.
وتتضمن قائمة جرائم الحرب التاريخية العديد من الأحداث المروعة، مثل مذابح الأرمن، ومذابح صبرا وشاتيلا،.
هذه السوابق تؤكد أن المجتمع الدولي لديه آليات قانونية وتاريخية لتوثيق ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، وأن الحقيقة لا تموت مع مرور الزمن.
لقد أصبح الرأي العام قوة لا يستهان بها على الساحة الدولية، وله تأثير كبير في توجيه السياسات الخارجية للدول.
كما أدت الحركات الشعبية في أوروبا وأمريكا ومناطق أخرى من العالم إلى زيادة الوعي بالقضية الفلسطينية والضغط على الحكومات. هذه الحركات، المدعومة بوسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، تساهم في نشر المعلومات وتشكيل الرأي العام، مما يؤثر في تفهم الجمهور وقدرته على تقييم القرارات السياسية , وعلى الرغم من أن بعض وسائل الإعلام الرئيسية قد تتبنى روايات معينة، فإن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت منصة للروايات البديلة وساهمت في كشف الحقائق وتحدي التضليل الإعلامي.
وبالتالي فإن المواقف الشعبية يمكن أن تدفع الحكومات إلى مراجعة علاقاتها مع الكيان وتغيير سياساتها، مما يؤدي إلى عزلة دولية أعمق لإسرائيل إذا استمرت في انتهاكاتها.
اخيرا : إن الاصطفاف العالمي والمواقف الدولية الموحدة تجاه إسرائيل وإن طال أمدها، لا تموت، وتتراكم الشواهد والانتهاكات لتشكل سجلاً تاريخياً لا يمكن تجاهله.
والتحولات الأخيرة في المواقف الأوروبية، وتزايد الضغط الشعبي، ودور القانون الدولي والمحاكم الدولية، كلها عوامل تساهم في هذا المسار.
وبالتالي فإن هذا الاصطفاف العالمي، حتى وإن لم يوقف المجازر فوراً، فإنه يضمن أن الحقيقة ستظل حية، وأن التاريخ سيسجل هذه الأحداث بكل تفاصيلها، مما سيؤثر على مكانة إسرائيل وسمعتها على المدى الطويل.
كما إن العدالة قد تتأخر، لكنها لا تموت، والذاكرة الجماعية للشعوب لن تنسى الجرائم المرتكبة.
صحفية يمنية