يوم 21 يناير 2017 نشرنا مقالاً بعنوان (السلام هذا المصطلح المراوغ) ومما جاء في مقدمته “بقدر ما يوحي به مصطلح السلام من مدلول قيمي وأخلاقي ونشدان حالة يتوق لها كل البشر فراداً وجماعات، إلا أنه مصطلح مراوغ وملتبس، فكم باسمه وتحت رايته اقتُرفت جرائم، انتُهِكت حقوق وسقطت دول وقامت أخرى، انهارت أيديولوجيات وسادت أخرى، كم باسمالسلام اندلعت حروب وفتن، وكم اتفاقات (سلام) وقعتها أيدي ملطخة بالدماء”

وفي الثامن من أغسطس 2020 كتبنا مقالا بعنوان (اغتيال السلام باسمالسلام) وذلك على إثر تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات وحديث ترامب إن هذه الخطوة ستعزز السلام العادل والشامل في المنطقة، وقد رأينا ما جرى بعد موجة التطبيع الأخيرة، وكانت لنا مقالات أخرى منشورة حول الموضوع.

نستحضر هذه المقالات ونحن نتابع التناقض والتعارض بين حديث ترامب عن السلام في مبادرته الأخيرة حول حرب غزة ومفهومه للدولة الفلسطينية من جانب، والمفهوم الفلسطيني وغالبية دول العالم للسلام ومفهوم الدولة الفلسطينية كشرط رئيس لتحقيق السلام العادل.

الرئيس ترامب يتحدث عن السلام ويضع مبادرة لتحقيقه متجاهلاً الطرف الرئيس في المعادلة التي ستحقق السلام وهو الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي دولة فلسطين ومنظمة التحرير، فالسلام الذي يقصده هو السلام لإسرائيل وضمان المصالح الأمريكية وليس للشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، وحتى عندما لمح في مبادرته الى إمكانية فتح مسار نحو الدولة فهو لا يقصد الدولة في الضفة وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية التي اعترفت بها 159 دولة ، ولو كان يقصد هذه الدولة لكان تماشى مع إرادة غالبية دول العالم واعترف بها أو على الأقل أوجد دوراً لهذه الدولة وسلطتها في مبادرته بدلاً من إقصائها من المبادرة وحتى عدم مشاورتها حولها.

إن المدقق في بنود المبادرة العشرين سيلمس بوضوح أنها تتناقض كلياً مع السلام الذي يريده الفلسطينيون والعالم وتكرس فصل غزة عن الضفة وتطلق يد إسرائيل في التدخل عسكرياً في القطاع كما تشاء كما تطلق يدها في مواصلة الاستيطان في الضفة حتى وإن قال إنه يعارض ضم الضفة، فمواصلة الاستيطان سيفضي في النهاية إلى ضم عملي دون إعلان رسميوإعلانه رفض ضم الضفة هم طُعم لاستدراج الدول للقبول بمبادرته والتمهيد لتوسيع (السلام الابراهيمي) أو ما سماه الحوار بين الأديان كما جاء في المبادرة، وكل ذلك يقطع الطريق على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية؟

قد يتساءل البعض: ولماذا رحبت غالبية دول العالم بما فيها دولة فلسطين وحتى غالبية أهلنا في القطاع بمبادرة ترامب؟

في ظني أن السبب معرفة الجميع أن الرئيس ترامب فقط الطرف الوحيد الذي يستطيع أن يفرض على إسرائيل التوصل لهدنة ووقف مؤقت لإطلاق النار في غزة مما يعني وقف مسلسل الموت اليومي بالعشرات للفلسطينيين ووقف المجاعة والتدمير الممنهج وتجميد مخطط التهجير القسري والجماعي، ومن هذا المنطلق (الإنساني) تعاملوا مع خطة ترامب ،وربما أيضاً لأنهم لا يملكون ولا يستطيعون عمل شيئ سوى الاعتراف بدولة فلسطينية لا تملك  من أمرها شيئاً الآن وهم لا يستطيعون مساعدتها على وقف المجاعة والموت في قطاع غزة الذي هو جزء من الدولة المنشودة ويمكن أن نضيف الى ما سبق أن غالبية دول العالم تشك بنجاح خطة ترامب حتى لو وافقت عليها حركة خماس لأن إسرائيل لن تلتزم بها ،فلماذا يأتي الرفض من طرفهم ، كما أنها تعرف أن خطة ترامب لن تحقق السلام الشامل والعادلحتى في حالة تنفيذ المبادرة وموافقة نهائية من إسرائيل وحماس عليها.

أما تلميحه في البند 19 من المبادرة الى إمكانية قيام دولة فلسطينية فمن المحتمل أنه يهيئ لدولة في قطاع غزة تحت وصاية مؤقتة لـ (مجلس السلام)لإدارة القطاع برئاسته ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق الثعلب المرتزق دولياًتوني بلير، وبعد هذه المرحلة قد تتم العودة مجددا لمخطط دولة غزة منزوعة السلاح ومنزوعة الهوية الوطنية بعد تصفية وجود السلطة في الضفة الغربية.

أما بخصوص ارتياح سكان القطاع من المبادرة، فلا يجب أن تلوم أهالي قطاع غزة إن قبلوا أي مبادرة تُوقِف الجوع والموت والاذلال اليومي للحصول على الطعام لأنهم مثل الغريق الذي يتشبث بقشة، أما القضايا السياسية والاستراتيجية الأخرى فليست شغلهم أو محل اهتمامهم الآن بل هي مسؤولية حركة حماس الطرف الثاني في الحرب التي ساعدت على وصول الأمور في القطاع إلى ما هي عليه ومسؤولية من ساعدها وغرر بها خصوصاً قطر وتركيا وإيران وجماعة الإخوان المسلمين، أيضاً مسؤولية دولة فلسطين ودول العالم التي اعترفت بها.

[email protected] 

شاركها.