تمثل سورية رمزا تاريخيا للصمود والمقاومة، لكنها في الوقت ذاته كانت هدفاً لمخططات استعمارية معقدة، حيكت خيوطها على يد قوى استعمارية وصهيونية، استخدمت أدوات إقليمية لتحقيق أهدافها. منذ أن وطئت أقدام الاحتلال الصهيوني أرض فلسطين، وامتدت أطماعه إلى الجولان السوري، بدأت تتكشف فصول مؤامرة طويلة الأمد، لم تقتصر على احتلال الأرض، بل امتدت إلى محو الهوية الوطنية وتزييف التاريخ النضالي للشعب السوري. في هذا السياق، تبرز شخصيات وأحداث تاريخية، كحرب تشرين التحريرية ويوم الشهيد، كرموز للصمود السوري، بينما تظهر أدوات مثل جماعات إرهابية كـ”الجولاني” وداعش، والاحتلال التركي، كواجهات تنفذ أجندات صهيونية واستعمارية. في هذه المادة الصحفية المعمّقة، نغوص في أعماق هذا المخطط، مستعرضين الأحداث التاريخية والسياسية، ومفككين الأدوار التي لعبتها القوى الاستعمارية والصهيونية، من خلال تحليل دقيق يعتمد على الحقائق التاريخية والوثائق المتاحة، لنكشف كيف تم استخدام أدوات إقليمية لتفتيت سورية، ومحو ذاكرتها النضالية، وتثبيت الهيمنة الصهيونية على المنطقة.
الجولان: رمز الصمود ومسرح التآمر

الجولان، ذلك الجزء الغالي من الأرض السورية، لم يكن مجرد هضبة جغرافية، بل رمزاً للصمود العربي في وجه الاحتلال الصهيوني. في حرب تشرين التحريرية عام 1973، سطّر الجيش العربي السوري، بقيادة الرئيس حافظ الأسد، ملحمة بطولية أذهلت العالم، وألحقت هزيمة نكراء بالجيش الصهيوني. شهادات قادة العدو أنفسهم، مثل غولدا مائير، رئيسة وزراء الكيان الصهيوني آنذاك، وثّقت هذا الانتصار، حيث وصفت الدمار الذي أصاب جيشها بأنه “كارثة”، وروت كيف أبكت مشاهد أشلاء جنودهم وزير دفاعها موشيه دايان. هذه الحرب، التي أعادت للأمة العربية كرامتها، لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل كانت تأكيداً على أن سورية، بقوتها وصمودها، قادرة على تحدي المشروع الصهيوني.ومع ذلك، يبدو أن هذا النصر التاريخي أثار حفيظة القوى الصهيونية والاستعمارية، التي سعت منذ ذلك الحين إلى طمس هذه الذكرى المجيدة. إلغاء إحياء ذكرى حرب تشرين في مناطق معينة من سورية، خاصة تلك الخاضعة لسيطرة جماعات إرهابية كـ”هيئة تحرير الشام” بقيادة أبو محمد الجولاني، ليس مجرد قرار محلي، بل جزء من استراتيجية ممنهجة تهدف إلى محو الذاكرة الوطنية السورية. هذه الجماعات، التي تُصنّف كإرهابية، ليست سوى واجهة تنفذ أوامر الكيان الصهيوني، الذي يسيطر عسكرياً واستخباراتياً على جنوب سورية، ويمتلك نفوذاً غير مباشر على بقية الأراضي السورية من خلال دعم هذه الجماعات.الجولاني، الذي ارتبط اسمه بجماعات إرهابية كالنصرة وداعش، يظهر كأداة في يد الاحتلال الصهيوني، حيث تتيح سيطرته على مناطق في سورية للكيان الصهيوني تحقيق أهدافه دون الحاجة إلى تدخل عسكري مباشر. هذه العلاقة ليست جديدة، بل تعود إلى عقود من التعاون الخفي بين الكيان الصهيوني وجماعات إرهابية، حيث كشفت تقارير عديدة عن تقديم إسرائيل الدعم اللوجستي والطبي لمقاتلي هذه الجماعات في الجولان، في محاولة لإضعاف الجيش السوري وتفتيت الجبهة الداخلية.

يوم الشهيد: محو الهوية الوطنية
إلى جانب إلغاء ذكرى حرب تشرين، يبرز إلغاء إحياء يوم الشهيد كمؤشر آخر على محاولات طمس الهوية الوطنية السورية. يوم الشهيد، الذي يُخلّد ذكرى المقاومين السوريين الذين أُعدموا على يد جمال باشا السفاح خلال الاحتلال العثماني، يمثل رمزاً للتضحية والنضال ضد الظلم الاستعماري. هؤلاء المقاومون، الذين وقفوا في وجه السلطنة العثمانية، لم يكونوا مجرد أفراد، بل كانوا تعبيراً عن إرادة شعب رفض الخضوع للاستعمار، سواء كان عثمانياً أو صهيونياً.جمال باشا، الذي كان يُعرف بلقب “السفاح”، لم يكن مجرد ممثل للسلطنة العثمانية، بل كان أداة في يد قوى استعمارية أكبر، لاسيما عائلة روتشيلد، التي سيطرت على الاقتصاد العثماني منذ ستينيات القرن التاسع عشر. هذه العائلة، التي امتلكت الحصة الأكبر في البنك العثماني الإمبراطوري، كانت المهندس الرئيسي للمشروع الصهيوني في المنطقة. من خلال نفوذها المالي والسياسي، مهّدت روتشيلد الطريق لوعد بلفور عام 1917، الذي شكّل اللبنة الأساسية لاحتلال فلسطين. إقامة مستوطنة “ريشون لتسيون” عام 1882، والتي أصبحت لاحقاً أساس الاحتلال الاستيطاني في منطقة غوش دان، كانت خطوة أولية في هذا المخطط الطويل الأمد.السلطنة العثمانية، التي كانت تُعرف في تلك الفترة بـ”الرجل المريض”، لم تكن سوى أداة في يد هذه القوى الاستعمارية. من خلال السيطرة على اقتصادها ومؤسساتها، تمكنت عائلة روتشيلد من توجيه سياساتها لخدمة المشروع الصهيوني. في هذا السياق، يمكن فهم دور جمال باشا ليس كمجرد قائد عثماني، بل كمنفذ لسياسات تهدف إلى قمع أي مقاومة عربية قد تعيق هذا المشروع. إعدام المقاومين السوريين في يوم الشهيد كان جزءاً من هذه الاستراتيجية، التي هدفت إلى كسر إرادة الشعب العربي وتمهيد الطريق للاحتلال الصهيوني.
التآمر الصهيونيالعثماني: تقاسم الأدوار
العلاقة بين الاحتلال العثماني والمشروع الصهيوني لم تكن مجرد صدفة تاريخية، بل كانت نتيجة تقاسم أدوار مدروس بين القوى الاستعمارية. بينما كانت السلطنة العثمانية تُستنزف اقتصادياً وعسكرياً، كانت القوى الصهيونية، بدعم من عائلة روتشيلد، تستعد لتسلم الراية. انسحاب الاحتلال العثماني من فلسطين لم يكن هزيمة عسكرية فحسب، بل كان جزءاً من صفقة غير معلنة، حيث تم تسليم الأرض للكيان الصهيوني ليكمل المشروع الاستعماري.هذا التقاسم للأدوار لم يتوقف عند حدود فلسطين، بل امتد إلى سورية، حيث سعت القوى الصهيونية إلى إضعاف الدولة السورية من خلال دعم جماعات إرهابية واستغلال الاحتلال التركي الحديث. تركيا، التي ورثت إرث السلطنة العثمانية، عادت لتلعب دوراً مشابهاً في سورية، من خلال دعم جماعات إرهابية كـ”الجولاني” و”داعش”، ومحاولة فرض سيطرتها على مناطق في شمال سورية. هذا الدور يتماشى مع الأهداف الصهيونية، حيث تسعى إسرائيل إلى إبقاء سورية في حالة من الفوضى والتفتت، مما يضمن استمرار هيمنتها على الجولان ومنع أي محاولة لتحرير الأراضي المحتلة.
الجولاني وداعش: واجهات للاحتلال
في هذا السياق، تظهر جماعات مثل “هيئة تحرير الشام” و”داعش” كأدوات تنفيذية للمشروع الصهيوني. الجولاني، الذي بدأ مسيرته كقائد في تنظيم القاعدة فرع سورية، تحوّل تدريجياً إلى رأس حربة في يد الكيان الصهيوني. تقارير موثقة كشفت عن لقاءات سرية بين قادة هذه الجماعات ومسؤولين إسرائيليين، فضلاً عن تقديم الدعم العسكري والطبي لمقاتليهم في الجولان. هذه العلاقة ليست مجرد تعاون تكتيكي، بل هي جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إضعاف سورية ومنعها من استعادة دورها كقوة مقاومة في المنطقة.داعش، من جانبها، لعبت دوراً مشابهاً، حيث استهدفت الجيش السوري والمدنيين، وساهمت في خلق حالة من الفوضى العامة، مما سهّل على إسرائيل تعزيز سيطرتها على الجولان. هذه الجماعات، رغم اختلاف شعاراتها وأيديولوجياتها المعلنة، تتفق في هدفها الأساسي: تدمير النسيج الوطني السوري وإضعاف أي مقاومة محتملة للاحتلال الصهيوني.
محو الذاكرة الوطنية: استراتيجية ممنهجة
إلغاء إحياء ذكرى حرب تشرين ويوم الشهيد ليس مجرد قرارات عشوائية، بل هو جزء من استراتيجية ممنهجة تهدف إلى محو الذاكرة الوطنية السورية. هذه الذاكرة، التي تحمل في طياتها قصص الصمود والبطولة، تشكل تهديداً مباشراً للمشروع الصهيوني، الذي يعتمد على كسر إرادة الشعوب وإضعاف هويتها الوطنية. من خلال دعم جماعات إرهابية وفرض سيطرة عسكرية واستخباراتية على جنوب سورية، تسعى إسرائيل إلى تحويل الجولان إلى منطقة منزوعة الهوية، حيث يتم استبدال الرواية الوطنية السورية برواية صهيونية مزيفة.هذه الاستراتيجية ليست جديدة، بل تعود إلى بدايات المشروع الصهيوني، حيث عملت عائلة روتشيلد وأتباعها على إعادة صياغة تاريخ المنطقة ليخدم أهدافهم. إقامة مستوطنات مثل ريشون لتسيون، وتوزيع الأدوار بين الاحتلال العثماني والصهيوني، كانت خطوات أولية في هذا الاتجاه. اليوم، تستمر هذه الاستراتيجية من خلال دعم جماعات إرهابية واستغلال الاحتلال التركي لفرض واقع جديد في سورية.
الدور التركي: استمرارية الإرث العثماني
تركيا الحديثة، بقيادة نظامها الحالي، تلعب دوراً لا يقل أهمية عن الدور الذي لعبته السلطنة العثمانية في الماضي. من خلال دعمها لجماعات إرهابية في شمال سورية، ومحاولتها فرض سيطرة عسكرية على مناطق مثل إدلب، تسعى تركيا إلى إعادة إحياء النفوذ العثماني تحت مسمى “النفوذ الإقليمي”. هذا الدور يتماشى مع الأهداف الصهيونية، حيث تساهم تركيا، سواء عن قصد أو دون قصد، في إضعاف سورية وتفتيتها، مما يخدم المشروع الصهيوني في المنطقة.الاحتلال التركي لمناطق في شمال سورية، ودعمه لجماعات مثل “الجولاني”، يعكس استمرارية الإرث العثماني في خدمة المصالح الاستعمارية. هذا الدور ليس جديداً، بل يعيد إنتاج نفس النموذج الذي استخدمته السلطنة العثمانية في القرن التاسع عشر، حين كانت أداة في يد القوى الاستعمارية لقمع المقاومة العربية وتمهيد الطريق للاحتلال الصهيوني.
سورية: الصمود في وجه المؤامرة
رغم كل هذه المخططات، تظل سورية رمزاً للصمود والمقاومة. الجيش العربي السوري، الذي سطّر ملحمة تشرين، ومازال يقاتل الإرهاب والاحتلال، يمثل الإرادة الوطنية التي رفضت الخضوع. الشعب السوري، الذي قدم آلاف الشهداء في سبيل الحرية والكرامة، يواصل نضاله ضد الاحتلال الصهيوني والتركي، وضد الجماعات الإرهابية التي تُستخدم كأدوات لتدمير الوطن.إن محاولات محو ذكرى حرب تشرين ويوم الشهيد لن تنجح في كسر هذه الإرادة. فالتاريخ السوري، المكتوب بدماء الشهداء، ليس مجرد ذكريات، بل هو وقود للأجيال القادمة التي ستحمل راية المقاومة. إن استعادة الجولان، وتحرير كل شبر من الأرض السورية المحتلة، ليست مجرد حلم، بل هي وعد قطعته سورية لنفسها وللأمة العربية.
خاتمة: المستقبل أمام التحدي
في مواجهة هذا التآمر المعقد، الذي يجمع بين القوى الصهيونية والأدوات الإقليمية، تقف سورية كحصن منيع، يتحدى كل محاولات التفتيت والتدمير. إن استعادة الذاكرة الوطنية، من خلال إحياء ذكرى حرب تشرين ويوم الشهيد، ليست مجرد فعل رمزي، بل هي تأكيد على هوية شعب رفض الخضوع. المستقبل، رغم التحديات، يحمل في طياته أملاً بتحرير الجولان واستعادة سورية لدورها كقلب المقاومة العربية.إن التاريخ يعلمنا أن الشعوب التي تملك إرادة الصمود لا تُهزم. سورية، بجيشها العربي السوري الذي سينهض مع شعبها كطائر الفينيق  كنا تظل عمليات المقاومة السورية بعلمها بنجمتي الوحدة المصرية السورية  ستواصل نضالها حتى تحقيق النصر النهائي، وتقضي على عصابات الخيانة الداعشية واسيادهم الإنكليز والصهاينة  في القصر الجمهوري  مهما كانت المؤامرات ومهما طال الزمن. فالجولان، كما فلسطين، سيبقى رمزاً للكرامة العربية، وستظل ذكرى تشرين ويوم الشهيد منارة تهدي الأجيال نحو الحرية والاستقلال.
شاعر وكاتب شيوعي

شاركها.