هل تشكّل جولة شرم الشيخ فرصة حقيقية لوقف الحرب، أم مجرّد غطاء سياسي لمواصلة الإبادة؟
في شرم الشيخ، حيث اجتمعت الوفود الإسرائيلية والفلسطينية برعاية إقليمية ودولية، لا يبدو أن طريق المفاوضات مفروش بالنوايا الحسنة، بقدر ما هو محكوم بتوازنات سياسية معقدة، واشتراطات مسبقة تُهدد بنسف أي فرصة لوقف الحرب وإنهاء المعاناة في قطاع غزة.
قبل انطلاق المفاوضات، وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطوطاً حمراء واضحة، قد تتحول إلى ألغام تفاوضية. إذ شدّد على أن تحرير جميع الرهائن، أحياءً وأمواتاً، هو الشرط المسبق لأي خطوة لاحقة ضمن بنود الخطة المكونة من 21 بنداً. “لن ننتقل إلى أي بند آخر قبل عودة آخر رهينة”، بهذه العبارة حسم نتنياهو موقف حكومته.
لكن المسألة لم تتوقف عند الرهائن. إذ أكد نتنياهو أن السلطة الفلسطينية لن تتسلم السيطرة على قطاع غزة بعد الحرب، ما لم تقبل بشروط متعددة، على رأسها الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، والالتزام بخطة ترامب لعام 2020. وهي شروط، إن قُبلت، ستُغيّر شكل ومضمون السلطة الفلسطينية، وربما تُفقدها شرعيتها داخلياً.
تأتي هذه الجولة وسط ضغوط أميركية ودولية متزايدة لوقف الحرب على غزة، لا سيما مع إستمرار الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي لحقت بالسكان المدنيين في القطاع. ووفقاً لمصادر إسرائيلية، فإن المفاوضات في شرم الشيخ أُعطيت مهلة زمنية محدودة لا تتعدى بضعة أيام، وفي حال لم يتم تحقيق “اختراق ملموس”، سيعود الجيش الإسرائيلي لتكثيف عملياته العسكرية – التي لم تتوقف فعلياً حتى اللحظة.
ترافق ذلك مع توجيهات واضحة من نتنياهو للوفد الإسرائيلي بعدم الخروج عن الإطار الذي حددته خطة ترامب، وعدم فتح أي ملفات خارج هذا المسار، الأمر الذي يعكس تمسكاً صارمًا بالشروط الإسرائيلية، دون تقديم تنازلات فعلية مقابل تحقيق السلام أو التهدئة.
رغم الإجماع الدولي على ضرورة التوصل إلى صفقة شاملة لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار، فإن ملف الأسرى الفلسطينيين يهدد بإفشال الجولة من أساسها. إذ يرفض نتنياهو الإفراج عن قيادات فلسطينية بارزة، مثل مروان البرغوثي، والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات، ويتمسك بإطلاق 250 أسيراً فقط من أصحاب المؤبدات، رغم أن العدد الحقيقي يتجاوز ذلك. ويُخشى أن يُستخدم هذا الملف كورقة سياسية داخلية لتبرير الانسحاب من المفاوضات لاحقاً.
الوفد الأميركي، بقيادة ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، يحاول دفع الطرفين نحو التفاهم، وسط تأكيدات بأن الرئيس ترامب “يتابع الملف عن كثب” ويريد التوصل إلى اتفاق “في أسرع وقت ممكن”. وبحسب تسريبات دبلوماسية، فإن الادارة الأمريكية قد تلجأ لطرح “مقترح تسوية أخير” في حال فشل الجولة الحالية، وهو ما يُشير إلى إدراكها لخطورة اللحظة وانسداد الأفق السياسي.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” وصفت الأجواء الإسرائيلية خلال المفاوضات بـ”التفاؤل الحذر”، مستندة إلى “الجدية” التي تبديها الأطراف الوسيطة، خاصة الولايات المتحدة وقطر ومصر. إلا أن هذا التفاؤل يبدو هشاً في ظل الهوّة العميقة بين مواقف الطرفين، والتزام نتنياهو بنهج سياسي يُفضّل الإبقاء على حالة الصراع بدلاً من الدخول في عملية سلام حقيقية.
خاتمة: مفترق طرق… لا فرصة مضمونة
المفاوضات في شرم الشيخ تُعدّ لحظة حاسمة بين خيارين: إما التوجه نحو تسوية توقف نزيف الدم والمجاعة والتشريد في غزة، أو استمرار حرب الإبادة بكل ما تحمله من دمار ومعاناة.
لكن، ما لم تتوفر إرادة حقيقية لدى جميع الاطراف – خاصة لدى الحكومة الإسرائيلية – لوقف الحرب والتخلي عن منطق الإملاءات، فإن هذه الجولة قد لا تكون سوى استراحة قصيرة في طريق طويل من المعاناة والآلم.
ويبقى الأمل قائماً أن تتجاوز هذه المفاوضات الحسابات السياسية الضيقة، وأن تعيد الاعتبار لحق الفلسطينيين في الحياة والكرامة، في غزة وكل فلسطين.