شهدت الساحة السياسية في السنوات الأخيرة حالة غير مسبوقة من الفتور الشعبي تجاه العملية الانتخابية، حتى باتت الانتخابات، التي كانت في الماضي ساحة حماس وتنافس وتفاعل شعبي واسع، أصبحت اليوم مناسبة باهتة لا تحظى بزخم أو اهتمام جماهيري حقيقي. هذا الغياب الملحوظ لما يمكن تسميته بـ “زهوة الانتخابات” لم يعد مجرد ملاحظة عابرة، بل أصبح ظاهرة سياسية لها انعكاسات مباشرة على صورة البرلمان القادم ودرجة شرعيته في الشارع.

ففي فترات سابقة، كانت الحملات الانتخابية تملأ الشوارع باللافتات والحوارات والمناظرات والنقاشات العامة، وكان المواطن يتابع ويحلل ويشارك، سواء بالتأييد أو المعارضة. أما اليوم، فقد تراجع الشعور العام بأن الانتخابات تمثل لحظة ديمقراطية كبرى أو أنها نقطة تحول قادرة على تغيير المشهد العام. غاب الحماس، وتراجع الاهتمام، وبدت المشاركة بالنسبة لقطاع واسع من المواطنين مجرد إجراء روتيني لا يشكل فارقًا في النتائج أو السياسات المتوقعة بعد تشكيل البرلمان.

هذا الفتور الشعبي لا يمكن فصله عن عوامل عدة؛ القوانين الانتخابية، ضعف المنافسة الحقيقية بين المرشحين، تراجع دور الأحزاب السياسية كمؤسسات فاعلة، إضافة إلى شعور بعض المواطنين بأن العملية السياسية لم تعد تستوعب أصواتهم أو تعبر عن إرادتهم بالشكل الكافي. ومع غياب المنافسة الحقيقية وتراجع الحوار السياسي البنّاء، تحولت الانتخابات إلى مشهد شكلي أكثر منه حدثًا جماهيريًا يعكس نبض المجتمع.

هذا الواقع يطرح سؤالًا محوريًا: كيف سينعكس ذلك على صورة البرلمان الجديد؟
من المؤكد أن البرلمان القادم، رغم شرعيته الدستورية والقانونية، سيواجه أزمة شعبية، وهو نوع من الشرعية لا يمكن اكتسابه من النصوص وحدها، بل من الرضا العام والثقة وتفاعل الناس وقناعتهم بأن ممثليهم وصلوا إلى مقاعدهم عبر منافسة عادلة ومشاركة واسعة.

فالشرعية في النظم السياسية الحديثة ليست مجرد ورقة نتائج تصدر من لجنة الانتخابات، بل حالة نفسية وسياسية لدى الجماهير تشعر خلالها أن أصواتها كان لها ثقل وتأثير، وأن البرلمان الذي يمثلها قادر على مساءلة الحكومة والمشاركة في صنع السياسات العامة. وإذا شعر المواطنون أن الانتخابات لم تكن ذات جدوى، فإن البرلمان يصبح منقوص الظهر السياسي، ويصعب عليه أن يملأ الفراغ الشعبي أو يعيد الثقة في مؤسسات الدولة دون تغيير جذري في أسلوب إدارة الحياة السياسية.

ومع ذلك، يبقى أمام البرلمان القادم فرصة لاستعادة جزء من هذه الشرعية الغائبة. فمهما كانت طريقة الوصول إلى المقاعد، فإن الأداء اللاحق هو الفيصل. إذا تحولت قاعة البرلمان إلى مساحة نقاش حقيقي، وصوت قوي للشارع، ورقابة فاعلة وسياسات ملموسة تخدم الناس، فقد يبدأ المشهد بالتغير تدريجيًا. أما إذا التزمت المؤسسة بذات النهج التقليدي الذي يبتعد عن هموم المواطن اليومية، فستترسخ الفجوة أكثر، وتستمر الأزمة بين الشارع ومؤسسات الحكم.

في النهاية، لا يمكن إنكار أن “زهوة الانتخابات” التي كانت علامة حيوية على تفاعل المجتمع السياسي قد غابت، وأن البرلمان الجديد يبدأ مسيرته وسط إدراك واسع بوجود أزمة ثقة تحتاج إلى جهد حقيقي لمعالجتها. فالشرعية الشعبية تُكتسب من الناس، وتُحافَظ عليها بالسياسات، وتُخسر بالإهمال والابتعاد عن أصوات الجماهير.
 

شاركها.