ترى مصادر إسرائيلية غير رسمية أن لقاء صعبًا ينتظر رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو مع الرئيس الأمريكي ترامب مساء اليوم في مارالاغو بسبب وجود عدة نقاط خلاف وتناقض المصالح على المستويين الدولاني والشخصي.
ويستدل من بيان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أن اللقاء مع ترامب قد حُدد عند الساعة الثامنة مساء، موعد تقديم نشرات الأخبار التلفزيونية العبرية، ما يعكس حسابات الأنا لدى نتنياهو أيضًا.
في صلب اللقاء اليوم قضية غزة والانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق، وإلى جانبها قضايا أخرى هامة كالجبهات المفتوحة مع إيران ولبنان، والدور القطري والتركي في القطاع، ومستقبل العلاقة مع سورية ونظام الشرع، والمساعدات الأمريكية لإسرائيل.
تضارب في المصالح
وطبقًا لمصادر وتسريبات عبرية هذا اليوم أيضًا، تخشى إسرائيل من أن ترامب مصمم على الانتقال للمرحلة الثانية سريعًا جدًا قبل الانتهاء تمامًا من المرحلة الأولى، أي استعادة رفات الأسير الإسرائيلي الأخير ونزع سلاح “حماس” والقطاع، علمًا أنه ليس واضحًا من وكيف سيفكك هذا السلاح؟ وتشير إلى أن القلق من أن ترامب معني جدًا بالتطبيق العملي للمرحلة الثانية: انسحاب الاحتلال من الخط الأصفر، إدخال قوات استقرار. وفيما تريد الإدارة الأمريكية انسحابًا إسرائيليًا قبيل وبالتزامن مع بدء انتشار القوات الدولية، فإن الاحتلال يريد اختبار هذه القوات أولًا قبل الانسحاب. كذلك تريد الإدارة الأمريكية بدء الترميم، أو على الأقل صورة أو رواية بدء إعمار القطاع، وربما من خلال بناء بعض الأحياء في رفح حيث لا توجد “حماس” واعتبار ذلك مشروع ترميم القطاع، بينما يبقى غير واضح مصير الإعمار في المنطقة تحت سلطة “حماس”، وهل سيُطرح خلال اللقاء؟ كذلك فإن ترامب لا يريد التوقف عند نزع سلاح “حماس” الآن وفورًا، بل بالتزامن وبالتدريج وخلال سنوات، مثلما يريد دورًا للسلطة الفلسطينية وموطئ قدم لتركيا في غزة ضمن قوات الاستقرار، وهذا ما تعتبره إسرائيل خطًا أحمر.
سوريا وإيران ولبنان
يضاف لنقاط الخلاف هذه موضوع سوريا أيضًا، فترامب يريد اتفاقًا أمنيًا بين تل أبيب وبين دمشق ومنح الشرع فرصة لبناء نظام حكمه، وكذلك موضوع إيران، فرغم القلق الأمريكي من مشروع صواريخها الباليستية فإن واشنطن غير معنية بحرب جديدة ضدها. تبرز نقاط الخلاف والتباين بالمواقف بين إسرائيل والولايات المتحدة بسبب وجود مصالح متضاربة؛ فواشنطن معنية بدخول مرحلة الإعمار والاستثمار في غزة ومنها الانتقال لاستثمارات كبرى في الشرق الأوسط، علاوة على تطلعات ترامب شخصيًا بأن يُتوّج “بطلًا للسلام” في العالم والفوز بجائزة نوبل للسلام.
لقاء أربع مصالح
ويتوقف المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع عند تشكيلة الحسابات المتداخلة فيقول إن هناك أربع مصالح في لقاء مارالاغو: مصالح أمريكا، إسرائيل، ترامب ونتنياهو. ويعلل هيمنة الحسابات الشخصية في اللقاء بالتذكير بالإشارة لوجود جولتي انتخابات هامتين بل مصيريتين: انتخابات الكنيست وانتخابات النصف الثاني للكونغرس في نهاية العام القادم (2026). ويتفق بارنياع مع مراقبين إسرائيليين آخرين حول اختلاف التوجهات بالتأكيد على أن نتنياهو يريد التباطؤ وترامب يريد الاستعجال، نتنياهو يدفع نحو جولات عسكرية جديدة وترامب يحلم باحتفالات السلام.
رسالة لترامب
وتذهب صحيفة “هآرتس” إلى ما هو أشد بالتأكيد في افتتاحيتها اليوم بعنوان: “ترامب انتبه.. نتنياهو قادم للتبديد والتعطيل”، فتتوجه لترامب بالقول: فاخَر الرئيس ترامب بأنه أنهى ثماني حروب واستحضر السلام. اللقاء في مارالاغو اليوم امتحان لقدرته على صب المعنى والمضمون الحقيقي لهذه التصريحات المتفائلة: نتنياهو يأتي إليك لتعطيل المسيرة وتبديد فرص التقدم للسلام”. وتحذر الصحيفة العبرية من أن كل تسوية من شأنها أن تهدد استقرار ائتلاف نتنياهو ستصطدم برفضه سواء مباشرة أو بشكل غير مباشر. وتمضي “هآرتس” في التحذير من نوايا وحسابات نتنياهو وكيديته: “من ناحية نتنياهو فإن الخط الأصفر هو الخط الأحمر. بحال أراد ترامب السلام حقًا، عليه إجبار نتنياهو على الانتقال للمرحلة الثانية من خطته وتحديد ثمن كل مراوحة في المكان أو تهرب أو تبديد؛ فمثل هذه الأساليب السلوكية تخدم فقط نتنياهو وحكومته لا المواطنين في إسرائيل ودول المنطقة”.
من ناحية نتنياهو فإن الخط الأصفر هو الخط الأحمر.. بحال أراد ترامب السلام حقاً، عليه إجبار نتنياهو على الانتقال للمرحلة الثانية من خطته وتحديد ثمن كل مراوحة أو تهرّب أو تبديد
صفقة مساومة “هات وخذ”
على خلفية هذه التباينات في المصالح والتوجهات والحسابات، من غير المرجح أن يلبي ترامب طلبات نتنياهو مهما حاول التغرير والمناورة واللعب، ورغم العلاقات الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، نظرًا لمصالح واشنطن في المنطقة ولمصالح ترامب الذي يتعرض لضغوط من قبل أوساط في حزبه وخارجه تريد النأي بأمريكا عن صراعات العالم والعمل بموجب “أمريكا أولًا”، لا سيما أن هناك انتخابات للكونغرس في نهاية العام الوشيك. بيد أن ترامب وسائر الإدارة الأمريكية سيتجهون وفق السيناريو الأكثر ترجيحًا لنوع من الصفقة مع نتنياهو: مقابل التقدم في قضايا غزة، القيام بضغوط حقيقية ضد إيران ولبنان تشمل ضوءًا أخضر لعملية إسرائيلية مستقبلية ضدهما بحال فشلت الدبلوماسية. وهذا ينسجم مع التقارير الإعلامية بأن نتنياهو تنازل عن مبادرة حسن نية لترامب تتمثل بفتح معبر رفح بالاتجاهين بعد معارضة سموتريتش وبن غفير.
في حديث للإذاعة الرسمية صباح اليوم الإثنين أكد سفير إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون أن أكثر ما يقلق دولته اليوم هو نوايا ومشاريع إيران، خاصة الصاروخية، مؤكدًا أن نتنياهو سيركز على “هذا التهديد” ويطلع ترامب عليه بالمستندات.
وتابع مهددًا: “يبدو أن إيران لم تتعلم الدرس ولا بد من جولة جديدة”.
وبين هذا وذاك تنقل صحيفة “هآرتس” عن مصدر مطلع قوله إن هناك احتمالات متزايدة بلقاء ثانٍ (يكون السابع بينهما خلال ولاية ترامب الثانية) بين نتنياهو وترامب هذا الأسبوع، ما يعكس حجم الفجوة بين الجانبين في القضايا المطروحة المذكورة.
