هآرتس بقلم ألوف بن
المنشق السوفييتي أندريه امالريك كان مؤرخاً شاباً في جامعة موسكو عندما نشر كتابه المثير للجدل في 1970 بعنوان “هل سيبقى الاتحاد السوفييتي قائماً حتى العام 1984؟”. بدت نبوءته خيالية، لكنه لم يخطئ في التوقيت إلا بسبع سنوات. عندما اختار هذا التوقيت، 1984، تكريماً لجورج اورويل، وقد توفي قبل تحقق نبوءته. فبعد سجنه في معسكرات العمل السوفييتية، تم نفيه من وطنه، وتوفي في حادث سير في إسبانيا.
في إسرائيل 2025 جملة واحدة لامالرك تظهر كضربة في البطن، وهي “حرب طويلة ومتعبة أدارها زعماء متملقون، أفرغت حكومة السوفييت من الموارد والشرعية”. هكذا تنبأ بمسرع تحطم الاتحاد السوفييتي، حتى لو تنبأ بنشوب حرب ضد الصين وليس الغرق في وحل أفغانستان. تقريباً مثل تقديرات الاستخبارات في إسرائيل، التي تنبأ بهجوم في الشمال وليس في الجنوب، لكنهم كانوا محقين في تشخيص الخطر في 2023.
تساءل امالرك: “كيف سيصف مؤرخ في المستقبل التطورات التي ظهرت غير معقولة في حينه، وبأثر رجعي كأمر لا يمكن منعه”. وفقاً لمنهجه، يجب أن نسأل: هل سيكون زعيم إيران علي خامنئي محقاً في نبوءته التي تقول بأن إسرائيل ستختفي في 2024، وفي تشخيص العملية التي قد تقود إلى هناك. في نهاية المطاف، الاتحاد السوفييتي لم يهزم في حرب نووية عالمية، بل انهار من الداخل. ولا حل عسكرياً ضد الانهيار الداخلي مثل “منظومة دفاع متعددة الطبقات” أو “قصف بعيد المدى”.
بعد مرور عشرين شهراً على الحرب، تظهر إسرائيل المناعة والازدهار. فالشيكل مستقر، ونسبة البطالة متدنية، والشواطئ والمطاعم في تل أبيب مليئة. أما القتل والجوع في غزة فموجود “في الإعلام الدولي” ولا يضر بالتيار العام في إسرائيل، الذي يشتكي من ارتفاع أسعار الرحلات الجوية إلى الخارج. ولكن علامات الانحطاط تظهر في كل مكان: تفشي الجريمة، الخلافات الداخلية وفقدان الأمل، واعتماد كامل على أمريكاترامب إلى درجة أن اليسار الإسرائيلي نفسه يعتبر الرئيس المتقلب ملاك سلام، بالضبط مثلما يعلق اليمين الآمال عليه في عملية الترانسفير. والإسرائيليون الذين يغادرون أسبوعياً مع أولادهم إلى أستراليا يشيرون إلى توجه لا يقل عن تفاخر الجيش بـ “تصفية قائد آخر من حماس”.
أمام الذعر المتزايد في أوساط الجمهور، تبدو الزعامة مقطوعة عن الواقع؛ فرئيس الحكومة يركز على نشر نظرية مؤامرة حول هجوم حماس، التي استهدفت اتهام “الكابلانيين” بالخيانة وتبرئته من تحمل المسؤولية عن 7 أكتوبر. نذكر نتنياهو بأنه حتى بعد إقالة جميع المسؤولين وتدمير غزة بالكامل والبقاء في الحكم بطريقة معينة، فسيذكرك الناس كقائد أوصل البلاد على حافة الدمار، وسيذكرك العالم كقاتل جماعي أدمن الهرب من الواقع. عبادة الشخصية التي يغذيها نتنياهو بدون كلل كبديل عن مؤسسات الدولة، تزيد عزلته وخوفه من الأعداء الحقيقيين والمتخيلين.
المنظومة السياسية تنشغل في تعميق الشرخ الداخلي بدلاً من إعادة ترميم إسرائيل من أنقاض الانقلاب النظامي والحرب الدائمة. نتنياهو لا يريد ولا يستطيع عرض إصلاح. سيرته الذاتية المليئة بتعظيم الذات، التي نشرها قبل الحرب بسنة من 600 صفحة تقرأ الآن وكأنها لا شيء، ولا بشرى للمستقبل فيها باستثناء دمار آخر. ها هي فرصة تأتي لمرة واحدة لكل من يدافعون عنه: يجب بلورة رؤية لليوم التالي، ووقف التفكك الداخلي ودحض نبوءة خامنئي التدميرية. البند الأول في هذه الرؤية يجب أن يكون وقف الحرب قبل ابتلاع غزة لإسرائيل بلا رجعة، بالضبط مثلما حذر امالرك حكام الإمبراطورية السوفييتية، الذين لم يرغبوا في الاستماع إليه.