أثارتني الأخبار المتداولة حول عودة الدكتور ناصر لحركة فتح، لماذا اليوم؟ وما الذي يمكن أن تعيده هذه العودة لحركةِ كانت في مواتِأثارت كثيراً من التساؤلات وعلامات الاستفهام؟. وكان أولها: هل يمكن لحركة كانت عنوان المشروع الوطني أن تغيب عن المشهد في لحظةٍ وجوديةٍ لشعبها؟ سؤالٌ بات يفرض نفسه كلما اشتدت النكبات وتوالت الدماء، وكلما ازداد صمت فتح وغيابها عن قلب المعركة.

عامان بلا فعل، بلا صوت، بلا أثر، كأن السياسة تجمّدت عند أقدام مسؤولي وقادة حركة فتح والسلطة معاً، وكأن الشمس قد غابت عن سماء الحركة التي كانت يومًا منارة الفعل الوطني. تبدو فتح اليوم، في نظر كثيرين، كما لو أنها تخلّت عن دورها التاريخي، وكأن القضية الفلسطينية لم تعد تعنيها. في غزة تُرتكب الإبادة، والضفة تُبتلع بالاستيطان، والقدس تُهوَّد على مرأى العالم، بينما القيادة الفتحاوية تكتفي بالمشاهدة والبيانات الباهتة. كأن هذا الموت لا يعنيها، وكأن الدم الفلسطيني المسفوك لا يخصها. قادة بلا فعل، بلا معنى، يبحثون عن المزايا والمناصب والنفوذ، وبل يزدادوا بثوريت أولادهم ذات النفوذ، لا عن الوطن ولا عن المشروع الوطني الذي حملوه يومًا.

تتحمّل فتح مسؤولية كبرى، لا تقل في ثقلها عن مسؤولية حماس في خطيئة أكتوبر وفي خطئية 18 عاماً من الإنقسام، وفي كل المأزق الوطني الراهن. فهي لم تكتفِ بالغياب، بل سمحت بأن يتحوّل حضورها إلى عبءٍ على الوعي الجمعي الفلسطيني، بدل أن تكون رافعةً له. وللأسف، يبدو أن هذا وكأنه كان مخططاً مسبقاً، فبدل أن ترتبط أكثر بشعبها وكادرها الحقيقي، ارتكبت الخطيئة عندما أزاحتهم إلى التقاعد، وهمّشت قدراتهم، وأقصت كل من حمل تاريخها النضالي ومشروعها الوطني، على جوانب الفعل النضالي والوطني، بينما أبقت الطارئين على الوطن عنواناً لحالةِ نعيشها اليوم. ووزّعت المناصب على فئةٍ لا ترى في الوطن سوى مصلحةٍ ضيقة، ففقدت الحركة عمودها الفقري، وتحوّل العمل التنظيمي فيها إلى شبكة مصالح لا إلى بنية نضال.

فتح اليوم بحاجة إلى غربلةٍ جذرية، إلى انقلابٍ داخليٍّ يُعيدها إلى معناها الأول، إلى جذورها التي خرجت منها: الثورة، لا السلطة؛ الوطن، لا الكرسي. فمن دون هذا التغيير، أو الاكتفاء بلعبة الكراسي الموسيقية بين أسماء ذاتها، ستبقى فتح رهينة الماضي، عاجزة عن قراءة الحاضر، غائبة عن المستقبل.

ما الذي فعله قادة فتح ونحن نستمع لبعض تصريحاتهم خلال حرب الإبادة في غزة؟ الانتظار، الترقب، مراقبة الموت وكأنه لا يخصّهم.نسي هؤلاء أن هذا النهر من الدماء هو الذي أعاد إحياء القضية في وجدان العالم، هو الذي حرك الشعوب، وفتح شوارع العواصم للمظاهرات، وأجبر دولًا على الاعتراف بدولة فلسطينية منتظرة. ليس جهابذة السياسة ولا متنفذو السلطة هم من فعلوا ذلك، بل الشعب، والمقاومة، والدم الفلسطيني نفسه. إن فتح اليوم أمام خيارٍ مصيري:إما أن تستعيد روحها وتعود إلى صفوف شعبها، أو تبقى كما هي الآن: مجرد اسمٍ في التاريخ، يتردد في ذاكرة وطنٍ أنهكه الانقسام وضَيّعته العدالة المفقودة. 

فهل يمكن أن تُعيد عودة الدكتور ناصر تدفق الدماء في عروق حركةٍ غُيِّبت؟ وهل تُعيد لغزة مكانتها في حركةٍ رفدتها بشلالٍ من الدماء؟وهل تُعيد هذه العودة لفتح كادرها الذي هُمِّش وأُبعد وأُزيح عن قصد؟ الأيام وحدها ستُجيب عن ذلك.

شاركها.