خطة ترامب ذات البنود العشرين هي عبارة عن مبادئ وعناوين تحتاج إلى خطط تفصيلية وآليات تطبيق لكل عنوان ومرحلة من مراحلها. كان اتفاق المبادئ «أوسلو» يحتمل أكثر من قراءة وتفسير إلى أن جاءت اتفاقية القاهرة التي وضعت النقاط على الحروف بتقسيم المناطق إلى «إي. بي. سي» والطرق الالتفافية ومراكز السيطرة العسكرية. الاتفاقية وضعتها المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية من طرف واحد وكان من شأنها تعميق الاحتلال بدلا من تخفيفه. هذه الاتفاقية صدمت ياسر عرفات وحاول الامتناع عن توقيعها في اجتماعه مع مبارك ورابين لكنه اضطر للتوقيع، انسجاما مع توقيعه على اتفاق إعلان المبادئ في ساحة البيت الأبيض. صحيح، لا يمكن فصل المبادئ أو العناوين العامة عن التفاصيل، ولكن الطرف المهيمن هو الذي يتحكم في التفاصيل والآليات والمواعيد التي اعتبر رابين أنها غير مقدسة. قد يتراجع الطرف الأقوى عن المبادئ أو يقيدها باشتراطات تفرغها من مضمونها، وقد يوجه ضربات عسكرية من طرف واحد كما يحدث في لبنان مع «حزب الله» حيث استشهد 274 لبنانيا في اقل من عام. وكما يحدث في قطاع غزة حيث استشهد 236 مواطنا وجُرح 600 آخرون في اقل من 20 يوما. يحدث ذلك لأن كل شيء يرتبط بميزان القوى العسكري أولا وبميزان القوى السياسي والاقتصادي ثانيا وكلاهما مختل بمستوى فلكي لمصلحة إسرائيل.
الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب يرتبط بتسليم الجثة الأخيرة المحتجزة لدى حركة حماس، بل إن تطبيق بنود المرحلة الأولى كإدخال 600 شاحنة يوميا من غذاء ودواء ووقود وخيام ومعدات وأجهزة وفتح معبر رفح وخروج الحالات الصعبة من الجرحى للعلاج في الخارج، صار الالتزام الكامل به مرهونا بتسليم آخر جثة إسرائيلية.
إذا ما جرى الانتقال إلى المرحلة الثانية سواء بعد تسليم كافة الجثث الإسرائيلية أو جرى الانتقال بضغط أميركي مع استمرار البحث عن الجثث الضائعة، ستكون «حماس» أمام بنود تسليم السلاح والحكم وإقامة الأطر البديلة المنصوص عليها في بنود خطة ترامب. حكومة نتنياهو تضع شرطا لانسحابها الثاني من أراضي القطاع بتحويله إلى منطقة منزوعة السلاح بما في ذلك تدمير ما تبقى من أنفاق «حماس». بعيدا عن الخطاب الشعبوي الذي تقدمه قيادات «حماس» كالقول، إن (حماس) «ترفض تسليم سلاحها قبل قيام الدولة الفلسطينية» أو أن قرار تسليم السلاح «يرتبط بإجماع الفصائل». لكن الوسيط الأميركي الذي يفاوض «حماس» مباشرة يقول، إن قيادة «حماس» أبدت انفتاحا وقابلية لنزع «سلاحها الثقيل» وإدارة ترامب لديها استعداد لقبول هذه الصيغة. وإنه يتفهم احتفاظ «حماس» بسلاحها الفردي للدفاع عن النفس، أي  للسيطرة الداخلية وليس لمقاومة المحتلين. إذا انتفى مبرر مقاومة الاحتلال باتفاق صريح أو ضمني يتحول السلاح إلى أداة سيطرة على المجتمع أو لمنع سيطرة أخرى. صحيح أن الدفاع عن النظام والقانون وإعادة الإعمار والأمن المجتمعي يحتاج إلى جهاز شرطة مسلح. وفي هذا الصدد، فإن خطة ترامب تتضمن بناء جهاز شرطة يتم تدريبه في مصر والأردن كي يساعد إدارة التكنوقراط الجديدة من مزاولة مهماتها، ويلاحظ أن سلاح الشرطة لا يعتمد على سلاح «حماس» أو ما تبقى منه. إذا قبلت «حماس» بالخروج من الحكم فإن سلاحها الفردي لا يلزم. وإذا أرادت أن تحتفظ بسلاحها من أجل إعادة بناء مقاومتها للاحتلال. فإن موافقتها على خطة ترامب التي تنص في بنودها على إنهاء المقاومة وسلاحها تصبح لا معنى لها. في هذه الحالة ستستمر  دولة الاحتلال في حرب الإبادة والتدمير والتهجير وستستمر السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع التي تحتمل التهجير وإعادة الاستيطان.   
بعد وقف إطلاق النار، شنت حركة حماس هجوما شرسا شمل كل معارضيها تحت عنوان التصدي للعملاء، مع أن الهجوم استهدف معارضين طالبوا «حماس» بوقف الحرب وبالتراجع عن حكمها ونقدوا الطوفان وممارسات «حماس» أثناء الحرب، مارست «حماس» القتل والترويع وتكميم الأفواه، بهدف استعادة سيطرتها وفرض حالة من الترهيب واحتكار حكمها للقطاع. أرادت «حماس» القول، إن السيطرة على المجتمع الغزي حكرا لها وإنها رغم خسائرها الفادحة، لن تتنازل عن الحكم، ليس في مواجهة الميليشيات العميلة المرفوضة والمنبوذة في القطاع وحسب، وإنما في مواجهة عودة السلطة أو أي جهات مستقلة لا تدين بالولاء للحركة. أرادت قيادة «حماس» أن تقايض مع إدارة ترامب حول دورها في اليوم التالي للحرب، بتزكية من تركيا وقطر البلدين الداعمين للحركة ولا يجدان ضيرا في استمرارها ضمن الأوراق الإقليمية التي تخدم السياسات العليا وإعادة إنتاج الهيمنة على المنطقة في غياب محور إيران وأفرعه.
كشف سلوك «حماس» ومواقفها وممارساتها عن اختلالات تضر بمصالح الشعب الفلسطيني ومن أهمها:  
أولا: استراتيجية المقاومة الإسلامية التي تعتمد على فتح مواجهة كبيرة مع دولة متفوقة تحترف الحرب، وتستخدم فيها الخسائر البشرية الكبيرة التي تلحقها إسرائيل بالمدنيين وببنيتهم لخلق رأي عام مناهض للحرب ومطالب بوقفها. وتعتمد على دور قطر في وقف الحرب بشروط إسرائيلية والقول، إن المقاومة انتصرت في استوديو فضائية الجزيرة. لتكون النتيجة هدنة تزداد خلالها شعبية المقاومة الإسلامية، ويزداد إغداق المال سواء عبر دعم الوسطاء الأثرياء أو عبر أنشطة الدعاة والجمعيات الإسلامية في جمع التبرعات ويكون ذلك بديلا للحل السياسي الذي ينهي الاحتلال. وهنا يتقاطع موقف دولة الاحتلال الرافض للحل السياسي وللحقوق الفلسطينية المشروعة، مع استراتيجية المقاومة التي تطرح هزيمة وإزالة إسرائيل كبديل للحل الدولي للقضية الفلسطينية. يتقاطعان عند هدف إسقاط الحل السياسي. وفي المحصلة تحتكر «حماس» قرار الحرب ووقفها، وتسلبه من الشرعية الفلسطينية – منظمة التحرير والسلطة والدولة المعترف بها من الأكثرية الساحقة من دول العالم . استراتيجية المقاومة الإسلامية ومحورها بقيادة إيران تعتمد على قعقعة السلاح والردع بالتخويف، كالقول، إن إيران تستطيع تدمير إسرائيل في 7 دقائق، ولم تحتمل إيران أكثر من 12 يوما للقبول بوقف الحرب، ومؤتمرات «وعد الآخرة» التي كانت تعقدها «حماس» لنقاش ما بعد إسرائيل. استراتيجية تعتمد أيديولوجيا خلاصية بمعزل عن الاستعداد لخوض معارك جدية. وبمعزل عن قراءة ميزان القوى. بعد هزيمة محور المقاومة ساحة بعد الأخرى، وافق «حزب الله» على ثلاثة قرارات صادرة عن مجلس الأمن مضمنة في الاتفاق تدعو إلى نزع سلاح التنظيمات وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. وبعد اشهر من الموافقة، اعلن الحزب رفضه لتسليم السلاح للدولة، في الوقت الذي لا يستطيع فيه الرد على الاعتداءات الإسرائيلية اليومية. الموقف نفسه اتخذته حركة حماس .. للحديث بقية.
									 
					