فلسطين بين اليمن وسورية.. سما الإخبارية
مُعلقاً على الهجمات الإسرائيلية في الأسبوع المنصرم، والتي استهدفت عدداً واسعاً من الأهداف في سورية بما فيها أهداف لا تبعد أكثر من كيلومتر واحد عن القصر الجمهوري، قال مُحلل «الجزيرة» العسكري، فايز الدويري، إن «العرب» انتظروا نظام الأسد في سورية 63 عاماً للدفاع عن أرضه ولم يفعل، وبالتالي «ما المانع من انتظار النظام الجديد فيها 63 شهراً للقيام بذات المهمة»!.
في المقابل وبعيداً عن حدود فلسطين التاريخية بمسافة تزيد على 2200 كم، أعلنت اليمن بعد أقل من شهر على معركة طوفان الأقصى وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني ودخولها في معركة إسناد له استهدفت فرض حصار بحري على ميناء إيلات وأتبعته أيضا بما أمكنها من ضربات صاروخية ومُسيرات استهدفت العمق الإسرائيلي.
وتعرضت اليمن نتيجة لذلك لضربات إسرائيلية وأميركية وبريطانية استهدفت جميع بناها العسكرية والمدنية بما فيها مطار صنعاء الدولي والميناء الوحيد لديها، الحديدة، لكنها لم ترفع لا راية بيضاء ولا توقفت عن الإسناد.
في المقارنة بين البلدين، يوجد الكثير من الفروقات والتشابه أيضا: حُكم أنصار الله (الحوثيين) في اليمن يعتبر «غير شرعي».
في الجامعة العربية والأمم المتحدة تجلس حكومة «شرعية» مُكونة من أطراف معادية لحركة أنصار الله لا تسيطر إلا على الجزء الجنوبي من اليمن. والحكومة الشرعية نفسها منقسمة إلى أجنحة تحارب بعضها البعض ولا يوجد انسجام بينها لدرجة أن أحد أجنحتها يحكم عدن بشكل مستقل عنها.
أنصار الله أيضا، خاضوا حربا مع التحالف العربي الداعم للحكومة اليمنية الشرعية استمرت سبع سنوات، منذ العام 2015 وحتى العام 2022. وعندما توقفت الحرب، كانوا في وضع يسمح لهم بقيادة مفاوضات كانت ستعطيهم الشرعية العربية والدولية والأموال لإعادة بناء مقابل إشراكهم في الحكم للحكومة الشرعية التي كانوا يخوضون القتال معها، وكان هذا التوجه، الذي سيكرس حكمهم لليمن، يحظى بدعم إقليمي ودولي بما فيه دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية.
والأهم من ذلك، عندما قرر أنصار الله إسناد فلسطين، لم تكن هناك حرب مباشرة بينهم وبين دولة الاحتلال، ولم تكن الأخيرة تحتل أي متر مربع من أرضهم.
على الرغم من بعد المسافة بين فلسطين واليمن والتي تُمكن أنصار الله من الادعاء بأنهم مع فلسطين لكن «الجغرافيا» تحرمهم من شرف القتال إلى جانبها.
وعلى الرغم من الحرب الطويلة الطاحنة التي خاضوها مع خصومهم ومع التحالف العربي والتي تعطيهم الحق للقول إن أولويتهم هي إعادة بناء اليمن و»تضميد جراح شعبهم» وليس الدخول في معارك جديدة. وعلى الرغم من فرصتهم في الحصول على الشرعية العربية والدولية والتي تعطيهم «الذريعة» للقول إن تحركهم يجب أن يكون منسجما مع الإجماع «العربي».
على الرغم من كل ذلك، اختار أنصار الله الانتصار لعروبتهم بإسناد فلسطين، ولا نقول ليمنيتهم، فلا أرض يمنية تحتلها إسرائيل. لقد اختاروا التضحية بكل المكاسب التي كان بإمكانهم الحصول عليها بِمجرد الامتناع عن المشاركة في معركة الإسناد، ولو فعلوا ذلك، ما كان أحد سيلومهم لبعدهم عن فلسطين، وبسبب خروجهم من حرب طويلة طاحنة دَمرت فعليا بلدهم وأدت إلى معاناة أكثر من ثلثي سكانه من المجاعة والأمراض.
في المقابل وفي حربها ضد نظام الأسد، تمتعت المعارضة السورية بالشرعية العربية والدولية، وحصلت على الدعم منهم، بقيادة الولايات المتحدة وشراكة الحلفاء من الغرب والعرب تعمل لصالحها.
في النهاية انتصروا على نظام الأسد ليس بفضل تفوقهم العسكري وذكائهم «الخارق»، ولكن بفضل الضربات العسكرية التي تعرضت لها سورية من دولة الاحتلال خلال معركة طوفان الأقصى.
لا نقول إن الغرب ساعدهم «محبة» بهم أو لرغبة منه في أن يحكموا سورية، فهو في النهاية لم يُعطهم من وسائل القتال ما يسمح لهم بالانتصار، وكان همه فقط إضعاف وتمزيق سورية وإخراجها من معادلات القوة في مواجهة إسرائيل.
لكن الحق يقال إن من أوصلهم للحكم، كان معركة طوفان الأقصى التي تمكن خلالها الاحتلال الإسرائيلي من إضعاف نظام الأسد إلى حد بعيد، وسط امتناع هذا النظام بإرادته الحرة أو بناء على طلب الروس منه عدم المشاركة الفاعلة في الدفاع عن أرضه أو في إسناد فلسطين.
مثل اليمن، استولت المعارضة السورية على الحكم في بلد مُدمر ومُمَزق بفعل الحرب الأهلية فيه.
ومثل اليمن، في سورية الملايين من الفقراء والمشردين الذين أنهكتهم الحرب.
لكن على عكس اليمن، سورية على حدود فلسطين التاريخية، ولها أراضٍ تحتلها إسرائيل منذ العام 1967، وأراضٍ أخرى جديدة مساحتها تفوق مساحة غزة احتلتها إسرائيل قبل أشهر.
ودولة الاحتلال لم تتوقف عن استهداف وتدمير البنى العسكرية السورية منذ سقوط نظام الأسد، وهي تعمل بشكل حثيث على تمزيق وحدة الأراضي السورية بادعاء «الحرص» على حماية الأقليات.
وعلى خلاف اليمن، الحكومة السورية الجديدة تتمتع بشرعية عربية، وهي تتمتع بدعم تركي غير محدود، ووزير خارجيتها «يجوب» العواصم الغربية بحثا عن «الشرعية» الدولية.
على الرغم من كل ذلك، لم ينتصر النظام الجديد لا لعروبته ولا لسوريته؛ فهو لم يشارك في معركة إسناد الشعب الفلسطيني، وأرسل عشرات الرسائل الصريحة لدولة الاحتلال لطمأنتها بأنه غير معني بالصدام معها واشتمل ذلك على قطع خطوط إمداد حزب الله بالسلاح، والصدام المباشر معه على أطراف حدود لبنان، واعتقال قادة من حركة الجهاد الإسلامي، وإصدار الكثير من البيانات التي توضح أن أولويته هي رفع الحصار الاقتصادي وإعادة البناء بذريعة أن السوريين قد أنهكتهم الحروب وأن «همهم» اليوم ليس إسناد الشعب الفلسطيني ولا استعادة أراضيهم القديمة أو الجديدة التي تحتلها إسرائيل، ولكن توفير الخدمات لشعب يعاني من عدم وجودها.
في المقارنة بين اليمن وسورية، أنصار الله الحوثيون انتصروا لعروبتهم وهم غير مضطرين لفعل ذلك، لكن نهجهم وَحد اليمنيين ومنحهم الشرعية الشعبية التي يريدونها والتي تُمكنهم من حُكم اليمن. بينما النظام الجديد في سورية انكَسر لذاته، تماما مثل سلفه، النظام «البائد»، لعله بذلك يحصل على الشرعية الدولية وعلى رفع للعقوبات الاقتصادية عنه تمكنه من الاحتفاظ بالسلطة. لكن ما يقوم به لن يعطيه لا شرعية شعبية ولا وحدة للأراضي السورية، فهذا آخر ما تريده دولة الاحتلال وداعموها في الغرب.