إختزال القضية الفلسطينية في حركة “حماس” هو أمر خطير ومضلل من قبل نتنياهو واليمين الاسرائيلي المتطرف، فالشعب الفلسطيني، الممتد من قطاع غزة إلى الضفة الغربية والقدس، ومن مخيمات الشتات إلى الأراضي المحتلة عام 1948، هو شعب عريق، متنوّع، نابض بالحياة، وتواق للحرية والسلام والكرامة. هذا الشعب لم يُمنح حقّه الكامل في اختيار ممثليه بحرية منذ سنوات، ولا يمكن اعتبار فصيلٍ واحد – مهما بلغت شعبيته في وقت من الأوقات – الممثل الشرعي والوحيد له.
لقد ارتكبت حماس، منذ سيطرتها على قطاع غزة عام 2007، أخطاء استراتيجية وسياسية وإنسانية فادحة، انعكست آثارها بشكل مأساوي على سكان القطاع، وأدت إلى حصار خانق، وحروب متتالية، وانقسام فلسطيني مزمن. ومع كل جولة تصعيد، يتكبّد المدنيون الأبرياء وحدهم الثمن الأكبر،
وقد عبّر كثير من المفكرين الفلسطينيين عن خطورة اختزال الوطن في فصيل:
• الراحل إدوارد سعيد قال بوضوح: “لا يجوز لفصيل واحد أن يحتكر تمثيل شعب بأكمله. فلسطين ليست ملكاً لأحد، بل هي ملك لكل فلسطيني.”
• أما الراحل محمود درويش فقد لخص المأساة بقوله: “لا شيء يعلو فوق الإنسان، لا الحزب ولا الفصيل، الإنسان أولاً وأخيراً.”
• وكتب المؤرخ رشيد الخالدي: “حماس ليست فلسطين. وحين نخلط بين الفصيل والقضية، نخسر الدعم الأخلاقي والسياسي الذي تحتاجه الحركة الوطنية الفلسطينية.”
• كما عبّر المفكر سري نسيبة عن ذلك بقوله: “من الخطير أن يتحول النضال الفلسطيني إلى أداة بيد من لا يؤمن بالديمقراطية. يجب أن نعيد الشرعية للشعب، لا للمنظمات المسلحة.”
ما حدث في 7 أكتوبر 2023، وما تلاه من حرب عدوانية اسرائيلية مدمّرة، أعاد التأكيد على أن حماس لا تُمثّل جميع الفلسطينيين، بل فرضت خياراتها العسكرية على السكان دون استفتاء أو تفويض. وقد عبّر كثير من أهالي غزة والضفة والشتات عن رفضهم لتحويل قضيتهم العادلة إلى أدوات للمزايدة السياسية أو الصراع الإقليمي.
العالم مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بالتمييز بين النضال الفلسطيني المشروع من أجل الحرية والاستقلال، وبين تصرفات فصيل سياسي يتبنى منهجًا أيديولوجيًا لا يحظى بإجماع وطني. كما أن دعم القضية الفلسطينية لا يعني القبول بحماس كمرجعية أو ناطق رسمي باسم الشعب. لذلك فان خيار حل الدولتين والاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية يجئ في وقته المناسب للتخلص من رواسب الاحتلال وهيمنة حماس على المشهد طيلة السبعة عشر عاما الماضية .
فلسطين أكبر من أي فصيل، وأعمق من أي خطاب شعبوي. فلسطين التي نحلم بها دولة ديمقراطية، تعددية، تُكرّم الإنسان، وتحتضن الجميع دون إقصاء. فلسطين التي يريدها اللاجئون، والمحرومون، والمثقفون، والعمال، والطلاب، والنساء، والجيل الجديد من الشباب، لا يمكن أن تختصر في فصيل واحد أو خطاب واحد.
إن استعادة المشروع الوطني الفلسطيني تبدأ بالتحرر من سطوة حماس، وبإعادة بناء البيت الفلسطيني على أسس الشراكة والديمقراطية والتمثيل الحقيقي لكل أطياف الشعب. حينها فقط يمكن القول إن فلسطين تُمثّل شعبها، لا جماعةً بعينها.