فيما يزداد تورط الاحتلال في قطاع غزة، من خلال استنزاف جيشه عبر عمليات المقاومة، لا تبدو الضفة الغربية مختلفة كثيرا بالنسبة له، في ضوء التحذيرات المتزايدة الصادرة من أوساطه، ومفادها أن الهدوء النسبي السائد فيها حالياً قد يخدعه، فالتهديد فيها يتصاعد، وتغذيه حرب الإبادة في غزة، وآخر شواهده عملية القدس.
هذا التقدير يصل لخلاصة مفادها أن هذه التطورات قد تعبد الطريق لانهيار السلطة الفلسطينية، دون أن يكون الاحتلال مستعدا لهذا السيناريو، الأمر الذي قد يسىتدعي تعزيز فوري لقواته الأمنية، وعلى طول خط التماس.
وذكر شالوم بن حنان، المسؤول الكبير السابق في جهاز الأمن العام “الشاباك”، والباحث في معهد سياسات مكافحة الإرهاب بجامعة رايخمان، أن “هجوم إطلاق النار المميت صباح أمس الاثنين في القدس يذكرنا بتحديات تصاعد المقاومة عموما، والتحدي الذي تواجهه إسرائيل في الضفة خصوصا، رغم الحملة الأمنية القوية فيها بدأت حتى قبل حرب السيوف الحديدية”.
وأضاف في مقال نشرته القناة 12 العبرية، وترجمته “عربي21” أن “الهدوء النسبي، إن صح التعبير، يعود بالأساس إلى الحملات الأمنية المكثفة التي تشنها أجهزة الشاباك والجيش والشرطة، والنشاط الهجومي المكثف، لاسيما في ظل عجز السلطة الفلسطينية، فخلال العام الماضي 2024، تم إحباط بنى تحتية مسلحة مهمة في الضفة، خاصة في الخليل، وتم إحباطها قبل بضعة أشهر، وفي إطارها تم اعتقال 60 ناشطاً ومصادرة عشرات الأسلحة، ومبلغ كبير من أموالهم، وإن حجم هذه البنية التحتية، وإحباطها الفوري، يشيران لعمق التهديد الأمني”.
وأوضح أن “بيانات إحباط الهجمات تشير أن أجهزة الأمن أحبطت أكثر من 1000 هجوم كبير منذ بداية العام، وهو عدد يُعادل عدد الهجمات التي أُحبطت في عام 2024 بأكمله، وفي تحليل البيانات، أُحبط أكثر من 550 هجومًا بإطلاق النار، مثل الهجوم المميت الذي نُفذ صباح أمس، وأكثر من 450 هجومًا بالقنابل، وفي الحالات التي فشل فيها النظام الأمني في منع التنفيذ مُسبقًا، قُتل 10 مستوطنين، و3 آخرون في هجمات نفذها فلسطينيو الـ48”.
وأشار إلى أنه “في عام 2024، للمقارنة، قُتل 37 مستوطنا وجنديا إسرائيليين في هجمات انطلقت من الضفة الغربية، حيث استند التصعيد الأمني فيها لكراهية مُتجذرة لإسرائيل، يغذيها إلهام الحرب في غزة، ويُقابل مستوى العداء، الذي يُحتمل أن يكون الأعلى في السنوات الأخيرة، بسلطة فلسطينية في حالة ركود، تتضاءل مساهمتها الأمنية، وينبع هذا الركود من مشاكل اقتصادية خطيرة، وتراجع شعبيتها في الشارع الفلسطيني، والتحضيرات لصراعات خلافة محمود عباس، وتراجع الإرادة الشعبية”.
ونقل بن حنان عن “مصادر إسرائيلية تحذيراتها من أن السلطة في طور التفكك، مما يُشكّل خطرًا حقيقيًا على بقائها، ويحتمل جدًا أن تتوقف عن كونها عاملًا مهمًا في إحباط العمليات المسلحة ضد إسرائيل، ورغم تركيز قوات الاحتلال في غزة، فإن النشاط الهجومي في الضفة يتناسب مع مستوى التهديد، وفي هذا السياق، تجدر الإشارة للنشاط المكثف في مخيمات اللاجئين شمالها، الذي خفّض مستوى كتائبها المحلية”.
وطرح الكاتب سؤالا “عما يمكن فعله لتقليل عدد الهجمات في الضفة قدر الإمكان، وتلك التي تنطلق منها، وتنجح في الوصول لبقية أنحاء دولة إسرائيل، ورغم أن معظم التوصيات الأمنية تم مناقشتها باستفاضة، لكن لم يُبذل جهد كافٍ حتى الآن، رغم ارتفاع مستوى التهديد، ومن أهم الخطوات الملحة أولاً تعزيز بعض نقاط الضعف لتعزيز القدرات الاستخباراتية والهجومية للنظام الأمني، من خلال إغلاق منطقة التماس بإحكام، ومنع دخول المسلحين إلى وسط إسرائيل، من خلال سدّ هذه الثغرات، وتطوير نظام المعابر إلى فحص صارم وفعال”.
وأكد أن “الهجوم المميت الذي وقع في القدس المحتلة انطلق من منطقة رام الله، ويُظهر بوضوح السهولة النسبية للتسلل للقدس ومناطق أخرى في جميع أنحاء الدولة، مما يتطلب الخطوة الثانية الملحة وهي تنفيذ حملة واسعة النطاق ضد جميع المتورطين في دعم ظاهرة المتسللين من أصحاب العمل والسائقين والمرافقين، وفرض عقوبات رادعة، والخطوة الثالثة تأمين مختلف البنى التحتية، مثل المواصلات العامة والتجمعات العامة الأخرى، لأنه خلال سنوات الرعب الصعبة للانتفاضة الثانية، نُشر حراس أمن مسلحون في الحافلات ومراكز التسوق والمطاعم وغيرها”.
وأضاف أن “الخطوة الرابعة توسيع نطاق الحملة ضد إنتاج الأسلحة في الضفة الغربية، حيث نُفذ هجوم القدس بسلاح كارلو غوستاف محلي الصنع، لأنه بعد دخول كميات الأسلحة المتطورة في مخيمات اللاجئين في الضفة، فيبدو أن أجهزة الأمن تناست دور الأسلحة محلية الصنع التي تُنتج محلياً، وهي فتاكة ورخيصة الثمن ومتوفرة، ناهيك عن عدم تجاهل قرار حماس الواضح والحاسم، التي لو هُزمت في الوضع الحالي في غزة، وجُرِّدت من العديد من قدراتها، فإن قرارها الكامل حاسم أيضًا لنقل المواجهة للضفة الغربية”.
وزعم أن “إسرائيل مطالبة بتجديد ردعها أمام حماس التي ستحتاج لقدرات أساسية لمواصلة قيادة منظومة المقاومة في الضفة الغربية، ويتوقع أن تُعيد تشغيل شبكة المحاور الإقليمية لتوجيه العمليات فيها، على غرار ما قامت بتفعيله قبل حرب غزة، وطالما أن هذه الحرب تسعى لإزالة أي تهديد مستقبلي من غزة، فإن الحاجة مُلحّة لقطع الطريق على دعم المقاومة في الضفة وساحات أخرى، بما فيها الساحة الداخلية”.