أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الغار الثلاثة يُعد من المواضع الثرية التي تكشف عن دقائق اللغة العربية وعمق الدلالة النبوية، موضحًا أن قصة الثلاثة الذين أووا إلى الغار فانطبقت عليهم الصخرة، فاستحال عليهم الخروج، تمثل نموذجًا فريدًا في التوسل إلى الله بالأعمال الخالصة، حين اتفقوا على أن لا ينجيهم مما هم فيه إلا أن يدعو كل واحد منهم ربه بعمل أخلصه لله تعالى.

قصة أصحاب الغار

وأوضح رئيس جامعة الأزهر، خلال تصريحات تلفزيونية اليوم، الجمعة، أن اللافت في القصة أن كل واحد من الثلاثة علّق دعاءه على صيغة الشرط، بقوله: «اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا»، وهو ما استوقف العلماء، لأن أداة الشرط «إن» تُستعمل في الأصل لما هو مشكوك فيه، بينما علم الله سبحانه وتعالى بأعمال عباده علمٌ يقينيٌّ ثابت لا يتطرق إليه شك، مما جعل هذا الأسلوب موضع تأمل عميق عند أهل العلم.

وبيّن الدكتور سلامة داود أن الإشكال ليس في علم الله بالأعمال، فذلك أمر مقطوع به، وإنما في مسألة قبول العمل عند الله، مشيرًا إلى أن الفرق كبير بين أن يعلم الله العمل، وبين أن يتقبله من صاحبه، فالعلم الإلهي شامل لا شك فيه، أما القبول فبابه مفتوح على مشيئة الله سبحانه وتعالى، يقبل ما يشاء ويترك ما يشاء، ولا يستطيع أحد أن يجزم بقبول عمله مهما بلغ فيه من الإخلاص.

وأشار إلى أن أصحاب الغار نزّلوا قبول أعمالهم منزلة الأمر المشكوك فيه، تواضعًا وخشية، فلم يجزموا بقبولها رغم إخلاصهم، ولذلك علّقوا دعاءهم بصيغة الشرط، فجاء الفرج من الله، وانفرجت الصخرة وخرجوا سالمين، في دلالة بليغة على أدب الدعاء، وخشية الله، وعدم الاغترار بالعمل.

وأضاف رئيس جامعة الأزهر أن الإمام ابن حجر رحمه الله توقف عند هذه اللطيفة الدقيقة، واستنبط منها أن من دعا الله بعمل يظن أنه أخلص فيه، فالأدب أن يعلّق دعاءه على علم الله، فيقول: «اللهم إن كنت تعلم أني فعلت كذا من خشيتك ففرج عني»، أما من لم يغلب على ظنه إخلاصه في عمل من الأعمال، فالأولى به أن يستحي من الله، وألا يتوسل بعمل يشك في صفائه، مؤكدًا أن هذه المعاني الراقية تكشف سمو الخطاب النبوي، ودقة اللغة العربية، وعمق الفقه في فهم النصوص الشرعية.

شاركها.