لا يمكن بالنسبة للخبراء الذين تابعوا مسار الحدث وتفاعلاته في واشنطن عزل الفوز الكاسح الذي حققه الشاب الإشتراكي المسلم زهران ممداني في رئاسة بلدية نيويورك عن سلسلة من المعادلات التي كانت مستقرة لعقود وخلخلتها هذه الإنتخابات في بلدية أغنى عاصمة في العالم.
ولا يمكن عزل السياق أيضا عن تلك المعادلات التي تقترحها الأن في عمق الحياة والإيقاع السياسي الأمريكي واقعة فوز من ممداني بمنصب العمدة في نيويورك وبأغلبية واضحة في الوقت الذي أعلن فيه فتح الصراع والمعركة على مصراعيها ليس فقط مع الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب ولكن مع جميع مؤسسات العمق التي تنتمي إلى الماضي.
أسس ممداني بفوزه معادلات جديدة في الواقع السياسي الأمريكي قد يكون من أهمها وأبرزها إمكانية النجاح في إنتخابات ضخمة ومعقدة في واحدة من أكبر المدن وأهمها في الكرة الارضية على أساس ديمقراطي.
وبدون الحصول على أموال كبار المتبرعين والتجار الأمريكيين و طبقة السماسرة ورجال الأعمال بما في ذلك إمكانية تحقيق الفوز بدون منظمة أيباك التي كانت طوال الوقت الممر الإجباري للحصول على موقع سياسي او للجلوس في صدارة المشهد السياسي والإنتخابي الأمريكي.
القفز فوق تبرعات وأموال أيباك كان بمثابة الخطة السرية السحرية في حملة ممداني.
إحدى أبرز الرسائل بفوز ممداني تلك التي تختص برأي الخبراء والمراقبين في إمكانية نجاح الطبقة الوسطى و بالتبرعات الصغيرة من عموم الشعب الأمريكي بعيدا عن منظمة أيباك حيث كان مقصودا تماما خلال حملة ممداني تأسيس حالة مالية أصولية تلتزم بأحكام ونصوص القانون و دون الحصول على رعاية من جهات ماليا نافذة في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأمريكي.
وكان مقصودا على الأرجح ان مسلسل الإطاحة بالدور النافذ والرشوات السياسية التي تقدمها منظمة أيباك التي يعتمد عليها الإطار الصهيوني والإسرائيلي في الولايات المتحدة بإعتبار ذلك أبرز الأهداف والألغاز.
أغلب التقدير ان ما حصل مع ممداني سيحصل مع أخرين كثر قريبا جدا بخصوص إمكانية المشاركة والمنافسة لا بل الفوز الكاسح أحيانا في العديد من الدوائر البلدية والمواقع التشريعية والسياسية المهمة بدون منظمة ايباك تحديدا بعدما تحققت “سابقة مثيرة” على صعيد تمويل الفقراء.
وبدون طبقة رجال الأعمال وذلك الدرس يلتقطه الأمريكيون جيدا لا بل قد يشكل العنصر الأكثر اثارة وانتاجا للزلزال الذي أحدثه فوز ممداني على مستوى الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة والتحالف الطبقي الحاكم و ايضا على مستوى الكيان الإسرائيلي.
المعادلة الثانية التي إختلت هي كيفية الوصول الى مواقع الصف الأول إنتخابيا بدون الإضطرار لدفع الكثير من المال وفي خطاب يخص خدمات الفقراء تحديدا ضمن نظرة يسارية علمانية متقدمة لواقع الطبقة الوسطى.
عمدة نيويورك الجديد من أبناء الطبقة الوسطى وإعتمد في جمع التبرعات لتمويل حملته على خلطة عجيبة من الإجراءات قوامها فكرة التبرع بمبالغ صغيرة جدا من طبقة مواطنين أمريكيين عريضة وأفقية ووصل عددها للملايين.
حد التبرع الذي أعلنته حملة ممداني مبكرا هو 40 دولارا للشخص الواحد المتبرع.
وبالتالي تلك المبالغ الصغيرة راكمت عشرات الملايين التي تمكن ممداني من إنفاقها علي وصلاته الإعلامية علما بانه أخل ايضا بمعادلة الإعلام ونفوذه عندما إعتمد حصرا ليس على وسائل الإعلام الأمريكية القديمة و العريقة التي تؤثر في القرار السياسي و في الانتخابات.
ولكن حصرا على منصات التواصل الاجتماعي.
