قصة شاب عُماني مع “السرطان”
أثير – مـحـمـد الـعـريـمـي
يخوض الإنسان في حياته حروبًا عديدة تارةً ينتصر وأخرى يُهزم فيها، ومن أبشع الحروب التي يخوضها تلك التي يكون فيها العدو شرسًا وخفيًا لا يكشف نفسه مبكرًا، فيستهدف صحته ويهدد حياته؛ هو “السرطان” الذي ما إن يتمكَن ويستوطن الجسد وينتشر يُعلن بدء حربه مع الإنسان، وهي حرب ما إن تبدأ فإنها تُرهق وتُهدر وتُحطم وتستنزف ما لدينا، وتنتهي إما بالانتصار المأمول أو الحزن المجهول بفقد عزيز.
في السطور القادمة تفاصيل مختلفة لحرب خاضها المغفور له بإذن الله تعالى هاشم العبري مع “السرطان”، الذي ظهر فيه وهو بعمر الخامسة عشرة، واستمرت حربه معه 6 أعوام إلى أن قال له الطبيب يومًا ما: “عِش ما تبقى من حياتك”، فقرر إنشاء حساب خاص في تطبيق “الإنستغرام” صوّر فيه مقاطع مرئية يتحدث فيها عن تفاصيل كثيرة لحربه مع السرطان، وأوصى بوصية بعد وفاته أن يكون الحساب عامًا وتُنشر المقاطع وتصل “رسالة هاشم” النبيلة للجميع بعد نفاذ أمر الله.
وُلد هاشم العبري في أبريل من عام 1998م، عاش بعد مرحلة الطفولة متنقلًا بين عدة دول بسبب طبيعة عمل والده؛ درس في نيويورك وبعدها قضى 5 أعوام في بروكسل ببلجيكا، ثم حصل على بعثة جامعية إلى ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية، فحقق معدلات ممتازة ودرجات عالية في مراحل دراسته.
احتفل هاشم بيومِ ميلاده الـ 15 وهو في المستشفى يُحارب السرطان في أول ظهور له متخفيًا خلف رئته بوزن كيلوغرام واحد، فبدأ حربه مبكرًا مع السرطان؛ العدو الشرس الذي لا يُفرق بين صغير وكبير، فكان الحل للورم إجراء عملية جراحية، فأجراها علّها تكون الشفاء التام وتُعلن رحيل المستوطن الخبيث دون عودة، فعاد بعد العملية لمدرسته وحياته الطبيعية.
بعد 6 أشهر من العملية الأولى، عانى هاشم من صداع حاد جدًا وارتفاع في ضغط الدم، واكتشفوا ما لم يكن يتمنى سماعه هاشم وعائلته، هو “السرطان” الخبيث، ظهر للمرة الثانية بشكلٍ مختلف، مرَّ حينها بفكرة التخلي عن الدراسة، لكنه استمر في حربه متسلحًا بالأمل والقوة مؤمنًا أن الهزيمة ضد عدو خبيث وخفي لا تعني الخسارة فالكل يُهزم والنهوض اختيار المُحارب، فاستمر في العلاج لعام كامل، لكن هذه المرة دون جراحة، فتنفس الحياة للمرة الثانية وعاد ليعيش حياته مرة أخرى.
بعد عام من دراسة هاشم الجامعية في جامعة فلوريدا الدولية (FIU)، عاد الورم للمرة الثالثة، لكن هذه المرة كان العلاج بجرعات الكيماوي التي تكون بأعلى المستويات لآخر درجة، فقد اكتشفوا 5 أورام؛ أحدها خلف القلب وآخر بحجم كف اليد، ومع العلاج لفترة بدأت الأورام تصغر.
في شهر يوليو من عام 2020م بدأت الأورام تعود وتكبر، ووصلت درجة الخطورة للدرجة الرابعة، فجاء الطبيب بعد الفحص والمعاينة حاملًا الخبر المُحزن والمُفجع معلنًا تمكُّن السرطان من جسد هاشم، بقوله: “ لا يوجد علاج الآن يا هاشم، تراجع وعِش حياتك”، في هذه اللحظة يكون الإنسان عاجزًا عن التفكير، يُفجع ويُصدم، ينربط اللسان ويعجز الكلام عن الكلام ويتوقف المخ عن مسؤولياته في مدّ الدماغ بالتفكير بكل الأمور الدنيوية، ويكون أمام الأمر الواقع للتعايش ولأول مرة مع فكرة أنه “سيرحل قريبًا”!
لأن هاشم حارب السرطان مرات ومرات، فقد كانت تراوده مئات الأفكار، وفكرة وصوله لمرحلة “الرحيل” تزوره أحيانًا، وذلك ما جعله متهيئًا للتعايش مع فكرة الرحيل، قال هاشم وهو في عمره الـ 23 بابتسامة مُختلطة بالقوة والحزن؛ “لم أتزوج وأُنجب، لكن الأشياء التي مررت بها في حياتي طويلة ومرحة رغم السنوات القصيرة، سافرت إلى بلدان كثيرة ولدي أصدقاء من كل مكان والابتسامة لن تفارقني”.
بعد أن تخرج هاشم في الثاني من أغسطس لعام 2020م، صوّر أول مقطع مرئي ونشره في حسابه بـ “الإنستغرام” في الـ 21 من سبتمبر لعام 2020م، وبعد عودته إلى مسقط وهو يعلم أنه سيرحل قريبًا، سأل نفسه “ماذا سأفعل الآن”؟ لكنه عاش مع عائلته ما تبقى من عمره وتعايش مع نفسه بالهدف الذي كان يُشدد عليه دائمًا أن يعيش بسلام، وكل من يعرفه وخصوصًا المقربين منه يعيشون في سلام دائم”.
لم يُخبر هاشم عائلته بالتطورات الأخيرة في حربه مع السرطان وأنه سيرحل قريبًا لكنهم علموا ذلك بعد فترة، لأنه كان مؤمنًا أن التأثير الذي يتسبب به في الناس أكثر إيلامًا من التأثير في نفسه، فلم يود أن يُخبر والدته التي كانت تبكي بشدة، وهو مُحارب بسيط أنه وصل للدرجة الرابعة وأن يومه قريب، وكانت رغبته في حياته وبعد رحيله ألا يحزن عليه أحد، مؤكدًا أن ما يجلب له السعادة هو محاولة جعل القريبين منه سُعداء.
رحل هاشم عن عالمنا في أكتوبر من عام 2021م، خاض معتركات السرطان لـ 6 أعوام، تجرّع الأوجاع والأسقام إلا أنها كانت دافعًا له للعيش والتحدي ببسالة، ورغم عدم وجود أي بصيص من الأمل في اللحظات الأخيرة إلا أنه لم يدع لليأس فرصة ليجُرّه نحو التقوقع على نفسه، فعاش وتعايش مع فكرة “الرحيل” مؤمنًا بالقضاء والقدر، وأسعد من حوله ليَسعد هو أيضًا.
قصة هاشم العبري -رحمه الله- قصة من آلاف القصص لمحاربي السرطان التي تحمل دائمًا “الآلام والآمال”، حاولنا سرّد القليل من تفاصيلها الكثيرة التي ستجدونها في حساب “رسالة هاشم” بالإنستغرام عبر الرابط : https://instagram.com/hashim_message?igshid=YmMyMTA2M2Y= الذي يحوي أكثر من 20 مقطعًا مرئيًا يتحدث بلسانه ويُقدّم لنا ولعائلته رسائل أراد لها أن تصل للجميع وأردنا سردها وإيصالها كما أراد.
في الختام نقول؛ هاشم لم يخسر فقد انتصر، والسلام الذي شدّد عليه، ورجاؤه ألا يُخيم الحزن على كل من عرفه، يوضح لنا قوته وصبره ونقاء سريرته، ويقدّم لنا درسًا في التحلي بالصبر والرضا في السراء والضراء وعلى كل ابتلاء، فنسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يُدخله برحمته -جلّ جلاله- من باب الريان ويُسقِهِ من الكوثر، ويعوضه عن الدنيا، ويجعل ذكره غير منقطع، ويكتبه عنده من الصابرين.