وبخلاف الخلاف مع العائلات أما بالنسبة لمجموعات أبو شباب والمنسي والأسطل تلك الحالة المشوهة لا تحتمل موقفين أو وجهتي نظر بل تشكل تلك واحدة من حالات الإجماع النادرة لكنها الأكثر وضوحا تجاه الخيانة وأخطر الخطوط الحمراء غير المسموح بتجاوزها مهما كلف الفلسطينيين من ثمن ليس من أجل حركة حماس وحكمها الآخذ بالأفول بل من أجل زراعة الثقافة الفلسطينية وحتى لا يفهم أي من أطفالنا مستقبلاً أنه مسموح أن يخون الوطن ويصطف مع قتلة شعبه فبيننا وبين اسرائيل صار نهرأ من الدم لن تمحوه الذاكرة وأصبحت هذه الإبادة ديناً في رقبة كل فلسطيني في الوطن وفي الشتات وفي الشوارع والجامعات والمدن والقرى والمخيمات على الأرض في الواقع وعلى وسائل التواصل الإفتراضية .
ما حدث كبير وكبير جداً حين يتعرض شعبنا لهذا السحق بهذه البشاعة التي لم يشاهدها التاريخ في أكثر محطاته سواداً لا يمكن أن ننسى أو أن نغفر وإذا كانت تعتقد اليهودية أن ذاكرة شعبنا أدنى أو أقل من ذاكرتها في المحرقة النازية تكون بحاجة إلى قراءة الكثير عن شعباً الذي لا زال يحمل مفتاح بيته لثمانية عقود وينتظر اللحظة التي سينتقم لكل هذا التاريخ وتلك رواية يتوارثها الأحفاد عن الأجداد .
اليهودي ليس أفضل من الفلسطيني حتى تتخثر ذاكرته عند الهولوكوست واسرائيل لم تكن أقل تواضعاً من الحركة النازية في محاولتها لإبادة شعبنا وستبقى اسرائيل مطلوبة لكل فلسطيني ملعونة بوجه بشع لن تغسله كل محيطات الكرة الأرضية ولا بد أن لحظة الحساب قادمة قد تتأجل قد يتواطأ العالم ولكن لا يمكن لمن ارتكب هذا الفعل أن ينجو فالأصل هو العدالة وليس الظلم وتلك حكمة التاريخ واسرائيل ليست استثناء .
هذا يحب أن يقال الآن بعد أن توقف القتال ولم تتوقف الحرب وانتهى الضغط على حركة حماس بتقديم تنازلات أقرب للإستسلام بإعتبار أن هذا هو الحل الوحيد الممكن لوقف الحرب في ظل العري الكبير الذي ساد العالم من عرب وعجم ومسلمين وكفار عن وقفها ولم يكن سوى خيار استسلام الضعيف الذي خذله ميدانه واعتقاده بوَهَم قوته قبل أن يكتشف طبائع الحروب والصراعات والموازين …. يجب أن يقال الآن حتى لا تفهم اسرائيل أنها بمجرد وقف الحرب انتهى كل شيء وعفى الله عما سلف بل بدأت مرحلة المحاسبة والملاحقة أو أنها أفلتت من الحساب بل ستظل طريدة الفلسطيني دوماً .
من جرح شعبنا بهذا الشكل ومن بتر أطراف أطفالنا ومن يتمّ عائلاتنا ومن رمّل نسائنا ومن قتل شبابنا ومن أبكانا وسبكينا أبد الدهر بيننا وبينه تايخ من القهر وتاريخ من الوحشية فلا يمكن للذاكرة أن تمر عن شكل نسائنا وأطفالنا وهم يتزاحمون على ما يمكن أن تقتات به العائلة فالوجوه المطبوعة لن تجعلنا ننسى لقد أوجعتني صورة طفلة مبتورة الأقدام حدثت أصدقائي عنها وعن قهري لتلك التي لم تغادر نومي كيف ستكبر ؟ كان يمكن أن تكون أجمل عروس تزف على شاطيء بحر غزة الوادع ومثلها عشرات آلاف تسلمنا اسرائيل شعباً كسيحا ومن الجنون أن تعتقد أنه يمكن لنا أن نغفر أو أن نسامح فالفلسطيني ليس شعباً زائداً في التاريخ ولا هو أقل من الشعوب حتى تقتل منه اسرائيل ما تشاء وتغسل أيديها وتعود لحياتها الطبيعية .
لكن في الصورة التي خرجت من غزة بالإعدامات التي تمت لعائلة دغمش لا يمكن أيضاً أن تكون مقبولة ليس لأنها تقتطع من التعاطف مع الفلسطيني بل لأنها تجاوز للعقد الإجتماعي فمن قامت بإعدامهم ليسوا من المجموعات الخيانية فتلك المجموعات تتواجد حيث السيطرة الإسرائيلية ولا يمكن لحماس الوصول إليهم فعائلة دغمش رفضت تشكيل مجموعات لاوطنية ورفضت التعاون مع الإحتلال ورفضت الرحيل للجنوب ورغم استياء الفلسطينيين من سلوك لأبناء العائلة من البلطجة والسيطرة على المساعدات لكن ذلك لا يعطي الحق بالإعدام الصعب الذي شهدناه فقط الخيانة هي الخط الأحمر .
ولكن لحركة حماس التي تخشى كثيراً على قوتها بغزة بعد أن قد قامت عائلة دغمش وقبلها لمجايدة بتحدي الحركة لذا أرادت الإنتقام أولاً لكن الأهم أنها أرادت ارسال رسالة الضبط لجميع العائلات بغزة أنها لا تزال القوة المسيطرة وقادرة على تحطيم كبرى العائلات وبالتالي إجهاض أي تمرد وهي تعرف أنها باتت مرفوضة في غزة بعد مغامرتها الفادحة وما جنته على القطاع وسكانه الذي تسببت مغامرتها بتجريدهم من أبنائها وبيوتهم فقد نشات معادلة جديدة بغزة هي معادلة القوة فلو كانت العائلات أكثر قوة لنكلّلت بحركة حماس ولأن حماس أظهرت قوتها فهي تضرب العائلات ، لقد انفرط العقد الإجتماعي ولم تعد العلاقة بين الناس ونظام الحكم سوية بل قائمة على عدم الثقة والخوف والقوة كما العصور القديمة .
لقد وصلت الرسالة للعائلات فقد نشرت بسرعة عائلة المجايدة التي اصطدمت مع حركة حماس قبل أيام من وقف القتال بياناً تشير فيه لإلتزامها وعدم الصدام ومثللها عائلات أخرى وهذا هو المطلوب لكن الحركة لا تعرف أن هذا سيتم استغلاله لمن لا يريد وقف الحرب سيقول نتنياهو لترامب ” أنت تفاخر في خطابك في الكنيست بأنك أنهيت داعش فلماذا تريدني أن أتوقف في المنتصف لهذه الصور الداعشية ” ؟