لديّ حكاية من دمشق.. سما الإخبارية
خرجتُ من دمشق العام 1988 قسراً، بحقيبة ظهر فيها ثلاثة كتب وبعض الملابس وصور ولديّ.
لم يكن الأمر مستعجلاً تماماً، كان أقرب إلى التحذير الشديد، كما فهمت، تأجيل السفر كان مغامرة، كما نصحني العارفون، ولكنني فعلت ذلك رغم كل شيء لأحضر أمسية للجواهري في مكتبة الأسد لعلها الأخيرة في دمشق.
كانت لدي دعوة إلى مؤتمر كتاب الاتحاد الأفرو آسيوي في تونس، كان هذا نوعاً من الحظ.
تجاوزت ضابط الجوازات الذي وضع الختم على جواز السفر، ولكن مندوب المخابرات الجوية الذي كان يقف إلى جانبه اختطف جواز سفري الصادر من اليمن الجنوبي، كان فتى في العشرينيات يرتدي سترة جلدية سوداء، وغادر الغرفة الزجاجية متجهاً نحوي وطلب مني مرافقته، كنت برفقة شاعر عراقي صديق، توقف على بعد أمتار مخاطراً باستدعائه هو أيضاً، بدأت جدالاً مع فتى المخابرات، جدالاً يائساً حول موعد الطائرة والمؤتمر …، حين ظهر فجأة ضابط بملابس عسكرية منشاة، كان رجلاً جميلاً حقاً بطول ملفت وعينين ملونتين وبكثير من السطوة والحضور، يسير خلفه مرافق قصير القامة تتدفق منه سعادة الطاعة.
سأل الضابط عن سبب الفوضى، حاولت أن أعيد عليه أعذاري ولوهلة بدا أنه توقف أمام فكرة “مؤتمر الكتاب”، أخذ جواز السفر من رجل المخابرات، وسألني عن المؤتمر وإذا كنت كاتباً، ثم سأل عن الكتاب السوريين المشاركين.. ذكرت بعض الأسماء، بدا أنه يعرفهم بطريقة ما.
أعطى الضابط، الذي كانوا ينادونه بلقب “العقيد نورز”، جواز السفر للمرافق وطلب منه أن يتأكد إذا كنت قد حصلت على برقية/ تصريح بالسفر من “الضابطة الفدائية”، قفز المرافق بخفة غريبة تعزز فكرته عن الطاعة واختفى في الممرات.
المخبر كان متوتراً وكان يواصل محاولات الهمس في أذن العقيد الذي لم يظهر اهتماماً بأسباب المخبر.
عندما ظهر المرافق راكضاً قال بصوت مرتفع:
لديه برقية سيدي.
قلب العقيد جواز السفر ثم أعاده إلي، عندما تعود عليك مراجعة الغرفة رقم… قال وهو يناولني الوثيقة.
كان ينظر في عيني تماماً، عندما كرر:
الغرفة رقم…
لا أدري حتى الآن إذا كان انطباعي دقيقاً، ولكنني لأمر ما شعرت أنه يقول لا تعد إلى هنا.
ركض المخبر نحو الممرات البعيدة، والتحقت بالشاعر العراقي الصديق الذي كان ينتظر، وكان الميكروفون يوجه النداء الأخير لرحلتنا المتوجهة إلى روما.
قبل دخولنا البوابة أعلن الميكروفون أن علي مراجعة مكتب الأمن في المطار، كان النداء باسمي الحقيقي وليس الاسم اليمني على جواز السفر الذي أحمله، لعلها ضربة حظ أخرى، عندما عبرنا البوابة كان هناك من يفتش الواقفين على البوابات وفي القاعة ويدقق في وثائقهم.
عندما تحركت الطائرة مال علي الشاعر العراقي وهو يردد:
تيمم من صعيد عرار نجد
فما بعد العشية من عرار