أوجاعنا لا تتوقف على ما يجري لأهلنا في قطاع غزة من موت ومرض وجوع حتى لم تعد لدينا قدرة على تحمُل المناظر التي تبثها الفضائيات وكأنها حدث عادي، وهي أوجاع كل الشعب الفلسطيني.
يوجعنا خبر سقوط أي شهيد أو جريح كما توجعنا مشاهد موت الناس جوعاً ومرضاً، كما توجعنا حالة الفقر وانهيار المنظومة القيمية في القطاع وانتشار العصابات المسلحة وسرقة ما يصل من مساعدات، كما يوجعنا ويؤلمنا مشاهد المواطنين وهم يموتون أمام مصائد الموت الأمريكية التي تسمى مراكز إنسانية لتقديم المساعدات الانسانية، ويوجعنا رؤية أطفالوشباب كان يفترض أن يكونوا على مقاعد الدراسة في المدارس أو الجامعات، ونساء كان يُفترض أن يكن محصنات مكرمات في بيوتهن، ورجال علم وحملة شهادات عالية ومن كانوا رجال أعمال وهم يتسولون ويقفون في طوابير لتلقى ولو القليل مما يقيهم من الموت جوعاً، كما يؤلمنا أخبار مقاتلين يشتبكون مع العدو ويُقتَلون دون هدف واضح ودون حاضنة شعبية فقط لأن قياداتهم في الخارج تريد ذلك ،ويؤلمنا ويوجعنا أكثر حالة العجز والشلل للنظام السياسي الفلسطيني وكل الطبقة السياسية بكل أحزابها.
كل ذلك يوجعنا ويؤلمنا حتى نجد حرجاً في الحديث عن أوجاعنا الخاصة.
صحيح أن المصاب والوجع عام لكل الشعب حتى من هم خارج القطاع من غير قادة الأحزاب، وكيف لا يشعر به كل الشعب وقد حركت جرائم الاحتلال وما سببه من جوع لأهلنا في القطاع الرأي العام العالمي وخرجت مظاهرات عارمة في كثير من مدن العالم منددة بجرائم الاحتلال وضد تجويع أهل غزة؟
هذا الوجع العام يجعل لا معنى لأي حديث عن أوجاعنا الخاصة حتى وإن كانت مؤلمة.
لقد فُجعت باستشهاد أخي عماد في بداية الحرب مُخلفاً عائلة من ١٠ أفراد، ثم بعد أشهر فجعت باستشهاد ابنه مراد وكان أحب أفراد الأسرة الى قلبي، ومعه زوجته وأطفاله الثلاثة وإصابة بقية أفراد الأسرة من أمه وأخواته وأخوته، ومن بعدهم استشهد أحمد ابن أخي أمين، ويستمر الوضع مع مناشدة بعض من تبقى من أخوتي وأبنائهم بالمساعدة حتى ليأكلوا ولا أستطيع عمل أي شيء إلا تقديم أقل القليل الذي أعلم أنه لن يحل مشكلتهم.
وحديثاً زادت أوجاعي عند سماع خبر إصابة نسيبي مجدي مروان أبو عودة أخو زوجتي بطلق ناري أثناء محاولته الحصول على بعض الطعام لأسرته من مصيدة الموت الأمريكية شمال القطاع، حيث أصيب بطلق ناري في الرقبة مسالنخاع الشوكي وهو يرقد منذ ١٠ أيام في العناية المركزة في مستشفى الشفاء مشلولاً وعاجزاً عن الحركة.
وإذ أخص هنا مجدي لأنني كنت أعتبره كأبني نظراً لأخلاقه العالية وطيبته وحبه لكل الناس وهو ما يشهد له جميع من عرفوه.
ذهب مجدي (ابو سراج) ليجلب بعض الطعام لأبنائه وأبويه وأخوته ونجح في مرة بجلب كيس طحين تقاسمه مع بقية أفراد الأسرة، وفي مرات أخرى كان يسهر طوال الليل قرب مكان توزيع ما تسمى مساعدات ثم يعود خاوي الوفاض، ولكنهلم ييأس وكيف له ذلك وأطفاله ووالديه يتضورون جوعاً، فكان يعود وهو يعلم ويشاهد موت العشرات يومياً أمام مصائد الموت الأمريكية وفييوم ٢١ من الشهر الماضي ذهب على أمل لم يتحقق في المرات السابقة وهو أن يعود منتصراً ومعه كيس طحين ،إلا إنه عاد محمولاً على أكتاف رفاقه مصاباً وبأعجوبة أوصلوه للمستشفى.
هذه قصة مجدي (أبو سراج) وهي قصة الآلاف غيره ممن استشهدوا أو أصيبوا أمام مصائد الموت الأمريكية في شمال ووسط وجنوب القطاع،وما زالت الحرب قائمة والجوع يحصد مئات الأطفال ومن كل الفئات يومياً، وما زالت حركة حماس تفاوض على بقائها كسلطة فيما سيتبقى من أرض وبشر حتى تحت الاحتلال ودون حاضنة شعبية.