لهذه الأسباب لن تتمكن “إسرائيل” من القضاء على حماس أو حزب الله..
نشرت صحيفة “لوس أنجلس تايمز” مقال رأي لكولن كلارك رئيس الأبحاث في مجموعة صوفان، وهي مؤسسة استشارات استخباراتية وأمنية في نيويورك، قال فيه إن سياسة الأرض المحروقة التي انتهجها الجيش الإسرائيلي في مخيم البريج في غزة وجنوب لبنان قد تؤدي إلى إلهام أجيال من المقاتلين في المستقبل.
وأشار كلارك إلى الأسباب التي تجعل إسرائيل غير قادرة على “قطع رأس” كل من حماس وحزب الله.
وقال إنه ومنذ هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ظلت إسرائيل في حرب بالشرق الأوسط وامتد الصراع عبر الحدود، من غزة إلى لبنان وإيران.
وعلى مدى 15 شهرا، نقلت القوات وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المعركة مباشرة إلى حماس وحزب الله اللبناني، وهما اثنان من أبرز أعضاء “محور المقاومة” الإيراني. وأدت عملية استخباراتية لتفجير أجهزة بيجر في أيلول/سبتمبر إلى مقتل عدد من جنود حزب الله وإصابة أو تشويه آلاف الأشخاص الآخرين في لبنان.
وفي غزة، يقول الجيش الإسرائيلي إنه قتل أكثر من 17,000 مقاتل من حماس، ووجه ضربة لـ 22 من 24 كتيبة تابعة لها. ولكن جوهر جهود إسرائيل كان الاغتيالات المستهدفة، التي قتلت زعماء الجماعتين، فقد قتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بغارة جوية إسرائيلية في أواخر أيلول/سبتمبر، في حين قتل زعيم حماس يحيى السنوار، مهندس هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر في مواجهة مع جنود إسرائيليين بمدينة رفح في منتصف تشرين الأول/أكتوبر.
إلا أن الحكمة التقليدية المعروفة في مكافحة الإرهاب والمعروفة بأن قطع الرأس لا يكفي لهزيمة جماعة وعلى المدى البعيد. وعلى الرغم من ذلك، فقد نشر العديد من الباحثين والمحللين تقييمات تشير إلى أنه، كما رأت مجلة “إيكونوميست”، بأن هناك “سببا وجيها للاعتقاد بأن هذه المرة قد تكون مختلفة”. وأضاف المؤرخ العسكري رافائيل كوهين صوته إلى أولئك الذين يرون أن وفاة السنوار ستترك عواقب وخيمة، قائلا إن “هذه الحادثة تختلف عن مقتل الزرقاوي والبغدادي وحتى ابن لادن”، في إشارة إلى زعماء تنظيم القاعدة في العراق، وتنظيم الدولة الإسلامية، وتنظيم القاعدة الأساسي، على التوالي.
ولكن الأدلة العملية والبحث العلمي الأوسع حول فعالية الضربات التي تستهدف رأس القيادة، تشير إلى أن حماس وحزب الله يواصلان العمل، حتى ولو في حالة ضعف كبيرة لكي يتمكنا من تجنيد أعضاء جدد وإعادة بناء منظمتيهما.
وواحد من الأسباب التي تجعل من السابق لأوانه كتابة نعي حماس أو حزب الله هو أن كلتا المجموعتين تفهمان بشكل أفضل باعتبارهما منظمتي تمرد، وليس جماعات إرهابية عابرة للحدود الوطنية.
والسؤال هنا عن الفرق؟ والجواب هو أن الإرهاب تكتيك، أما التمرد فهو استراتيجية. ويقوم الإرهاب على “هجمات عنيفة وإجرامية”، ورغم أن المتمردين قد يستخدمون الإرهاب، إلا أنه لا يحدد هويتهم، فالتمرد هو “الاستخدام المنظم للتخريب والعنف للاستيلاء والسيطرة السياسية على منطقة أو الإطاحة بها أو تحديها”.
ولدى كل من حماس وحزب الله أجندات قومية متشابكة مع الإيديولوجية الإسلامية، وكذلك مع الأعضاء والمؤيدين الرئيسيين للجماعة وهم فلسطينيون ولبنانيون على التوالي. وتظل الجماعتان عضويتين، ومنغرستين في الواقع الذي تعملان فيه، خلافا لتنظيم الدولة الإسلامية أو القاعدة، اللتين اعتمدتا بشكل كبير على المقاتلين القادمين من الخارج. وهذا مهم لأن المقاتلين الأجانب، على الرغم من حماستهم في نواح كثيرة، يظلون غير مرتبطين بالأرض التي يعملون عليها. وطوال معظم فترة وجودها، كانت القاعدة عبارة عن عصابة متنقلة من الجهاديين الذين سافروا من ساحة معركة إلى أخرى، من البلقان إلى القوقاز إلى جنوب آسيا.
وفي ذروة نشاطه، بلغ عدد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية 30,000 مقاتل أجنبي من 85 دولة، باستثناء أولئك الذين أحضروا عائلاتهم معهم.
وخلافا لهذا ستعمل حماس وحزب الله على تجديد صفوفهما من العناصر المحلية الجديدة، سيزداد حماس العديدين منهم على مواصلة النضال بعد الدمار الهائل والمعاناة الإنسانية التي خلفها النهج القاسي الذي تنتهجه إسرائيل في غزة ولبنان. وكما فعلتا طيلة فترة وجودهما في السلطة، ستستخدم حماس وحزب الله الصراع الدائر لتعزيز فكرة الاستشهاد في محاولة لضمان انتقال الحماسة الإيديولوجية والدينية إلى الأجيال الشابة. ولا يعيق قتل قادة المنظمتين هذا بشكل كبير، بل وربما يغذي التشدد.
وعلاوة على ذلك، فحماس وحزب الله هما جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي في غزة ولبنان. ومن المحتم أن يعملا على إعادة بناء صفوفهما المستنفدة. ويجند حزب الله الشيعة من خلال توفير فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية وتوفير خدمات أخرى للشيعة في جنوب لبنان. وسيعمل نهج الأرض المحروقة الذي تنتهجه إسرائيل في غزة ــ حيث قتل 45,000 ألف فلسطيني ودمرت البنية الأساسية للقطاع، كأداة تجنيد لحماس في سعيها إلى تجنيد الموجة التالية من الفلسطينيين، الذين سيصبح العديد منهم “متطرفين” بسبب الحرب وتداعياتها.
وقد قال يعقوب بيري، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي شين بيت، في إشارة إلى دورة العنف التي استمرت بسبب الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة: “سوف نقاتل أبناءهم بعد أربع أو خمس سنوات”.
ولا شك فإن كلا الحركتين تعرضتا للدمار، لكن أي منهما لم يتلاش بعد، وكما قال خبير الشرق الأوسط ستيفن كوك معلقا على مقتل السنوار: “من الصعب عليك شق طريقك بالقتل للخروج من المشكلة التي فرضتها حركة مقاومة. إن الملتزمين لا يفهمون الرسالة، بل يضاعفون جهودهم فقط”.
وفي إسرائيل، هناك مقولة شهيرة حول مكافحة الإرهاب، يطلق عليها الإسرائيليون مجازا “جز العشب”. والقياس مناسب لأن العشب ينمو دائما من جديد. ولكن في هذه الجولة الأخيرة من القتال، على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية، قررت إسرائيل أن تفعل أكثر من “جز العشب” – ولهذا السبب نرى الأرض المحروقة بدلا من ذلك.
على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية، قررت إسرائيل أن تفعل أكثر من “جز العشب” – ولهذا السبب نرى الأرض المحروقة بدلا من ذلك
ولكن بدلا من التخفيف من المسألة، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي وفريقه من الوزراء المتطرفين إقناع الإسرائيليين بأنهم قادرون على حل مشكلة حماس وحزب الله، مرة وللأبد. ولهذا علق نتنياهو في تشرين الثاني/نوفمبر عن وضع حزب الله قائلا: “لم يعد هذا حزب الله نفسه”.
وعن حماس قال إنه سيظل في غزة حتى يتم تحقيق النصر الكامل. وتقول كيم غطاس، الخبيرة بشؤون المنطقة إن هذا الكلام ينم عن أهداف متطرفة وغير قابلة للتحقيق.
ويعلق الكاتب أن سعي الجيش الإسرائيلي لتحقيق “النصر الكامل” في غزة ولبنان هو ما يضمن بقاء حماس وحزب الله. ففي نهاية المطاف، لا بد من مكافحة المنظمات المتمردة من خلال استراتيجية مكافحة التمرد، وليس مكافحة الإرهاب. وقد سعى الإسرائيليون إلى حل غير متكافئ على الإطلاق مع المشكلة. ذلك أن مكافحة التمرد تنطوي على “جهود مدنية وعسكرية شاملة مصممة لهزيمة التمرد واحتوائه ومعالجة أسبابه الجذرية في وقت واحد”. ولكن النهج الإسرائيلي الأخير في غزة ولبنان لم يتضمن خطة حقيقية لحماية السكان ولا جهدا “لكسب القلوب والعقول”.
فضلا عن ذلك، فمنذ بداية هذه الصراعات المتداخلة، لم يحاول نتنياهو أبدا تقديم نهاية سياسية متماسكة للتعامل مع حماس أو حزب الله. وكما هو الحال دائما، فالحرب وبخاصة مكافحة التمرد هي ممارسة السياسة وإن بطرق أخرى. والواقع أن الحملة العسكرية الإسرائيلية، برغم ما تتمتع به من تكتيكات مثيرة للإعجاب، اعتمدت على الجوانب الحركية للصراع فقط، وأهملت تماما العنصر السياسي. وبهذا فرضت على الأجيال القادمة من جميع الأطراف نفس المصير: الحرب الدائمة.