تحت عنوان “من أوروبا إلى الدول العربية تنديد شبه إجماعي بالمخطط الإسرائيلي في غزة“، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن المجتمع الدولي، بينما يدين إسرائيل ويؤيد في الوقت نفسه خطة القضاء على حركة “حماس”، فإنه يبدو عاجزًا عن ثني رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطته. وحدها ألمانيا، التي كانت حتى الآن من أبرز الداعمين لإسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة، أعلنت تعليق صادرات الأسلحة “حتى إشعار آخر”.

فقد أثار قرار الحكومة الإسرائيلية، يوم الجمعة، احتلال قطاع غزة عسكريًا موجة من الاستنكارات. فبينما كان الهجوم الإسرائيلي على القطاع الفلسطيني، الذي جاء في أعقاب هجمات حركة “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، قد أحدث انقسامًا عميقًا بين الدول الغربية والعربية، فإن تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تبدو وكأنها تؤسس لنوع من الإجماع في إدانة التصعيد العسكري، حتى مع تأييد مشروع تحييد “حماس”.

ربما كانت ردّة الفعل الألمانية الأبرز، إذ أعلن المستشار المحافظ فريدريش ميرتس تعليق جميع صادرات الأسلحة التي يمكن استخدامها في النزاع “حتى إشعار آخر”. وبما أن برلين كانت قد رفعت أمن إسرائيل إلى مرتبة “مبدأ من مبادئ الدولة” (Staatsräson) استنادًا إلى ذكرى المحرقة، فإن هذا القرار يمثل تراجعًا سياسيًا واضحًا على المستويين الداخلي والأوروبي. وتُعد ألمانيا ثاني أكبر مورّد للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، إذ صدّرت معدات عسكرية بقيمة 485 مليون يورو منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفق وزارة الاقتصاد في 3 يونيو/حزيران.

مع ذلك، تراجعت هذه الصادرات تحت ضغط الرأي العام، إذ بلغت حوالي 28 مليون يورو في الربع الأول من 2025، مقارنة بـ80 مليون يورو في الفترة السابقة. ورفضت الوزارة التعليق على صادرات الأسلحة بعد 6 مايو، تاريخ وصول ميرتس إلى السلطة.

“حكومة نتنياهو تخسر أوروبا”
داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، الشريك في الائتلاف الحاكم، يطالب بعض الأعضاء بالمزيد. فقد صرّح أيديس أحمدوفيتش، المتحدث باسم الكتلة البرلمانية للشؤون الخارجية، لمجلة “دير شبيغل”: “لا يمكن أن تكون هذه سوى خطوة أولى، ويجب أن تتبعها خطوات أخرى”. وقد يسهم هذا التحول في إعادة رسم التوازنات الدبلوماسية داخل الاتحاد الأوروبي، الذي ظل حتى الآن مشلولًا بسبب انقساماته الداخلية. ورغم أن الأمر لا ينبئ بإلغاء اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل، فإن إجراءات، خصوصًا تجارية، قد تُتخذ بالأغلبية المؤهلة، ما يوسع مجال العمل، تضيف “لوموند”.

وقال وزير الخارجية الهولندي كاسبار فِلدكامب لموقع “أكسيوس” الأمريكي: “حكومة نتنياهو تخسر أوروبا، بالكامل”. أما رئيس المجلس الأوروبي، البرتغالي أنطونيو كوستا، فاعتبر أن القرار الإسرائيلي “يجب أن تكون له عواقب على العلاقات بين الاتحاد وإسرائيل”، مندّدًا بمشروع “يقوّض المبادئ الأساسية للقانون الدولي”. من جهتها، حافظت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على موقفها، مجددة الدعوة إلى “وقف فوري لإطلاق النار” من دون التهديد بفرض عقوبات.

ورأى نتنياهو أن الحظر الألماني على الأسلحة “يكافئ إرهاب حماس”، وهو الموقف نفسه الذي أبداه تجاه فرنسا عندما أعلن قصر الإليزيه، في 24 يوليو/تموز، اعتزامه الاعتراف الكامل بدولة فلسطين في سبتمبر/أيلول، خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في 8 أغسطس/آب الجاري، دان وزير الخارجية الفرنسي جاننويل بارو “بشدة” الخطة الإسرائيلية، معتبرًا أنها “لن تؤدي إلا إلى تفاقم وضع كارثي بالفعل، من دون أن تحقق إطلاق سراح الرهائن أو نزع سلاح “حماس” أو استسلامها”. ونقلت “لوموند” عن مصدر دبلوماسي فرنسي قوله: “إنها أخبار سيئة للغاية. لا نرى منطقًا عسكريًا في هذه العمليات”.

أما المملكة المتحدة، فكانت من أوائل الدول التي تفاعلت، ووصفت هذه الهجمة الجديدة بأنها “خطأ” لن يؤدي إلا إلى “مزيد من المجازر”.

في العالم العربي، حيث تحرص الحكومات عادة على مراعاة الرأي العام الموالي للفلسطينيين، اقتصرت المواقف الرسمية على إدانات مبدئية، وهي ضعيفة مقارنة بالتداعيات المتوقعة لاحتلال عسكري لقطاع غزة.

فقد دانت السعودية “بأشد العبارات” القرار الإسرائيلي، واستخدمت مصر نفس التعبير، بينما عبّر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن “رفضه القاطع” للخطة الإسرائيلية. فالقاهرة وعمّان تتأثران بشكل خاص بالأحداث، فهما الدولتان الحدوديتان مع غزة (مصر) والضفة الغربية (الأردن)، وتخشَيان تهجيرًا قسريًا للفلسطينيين إلى أراضيهما، توضّح “لوموند”، مشيرةً إلى أن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، التي سُمِح بها عند بدء الهجوم الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، لم يعد مسموحًا بها. كما تم حظر نشاط جماعة “الإخوان المسلمين”، التي تُعد “حماس” جناحها الفلسطيني ولها حضور اجتماعي قوي.

وفي نص صدر في 22 يوليو/تموز، اتهمت “حماس” الدول العربية بـ“التخلي عن الشعب الفلسطيني الذي يموت جوعًا”، ودعتها إلى تكثيف الدعم.

 بعد أسبوع، وخلال مؤتمر في الأمم المتحدة، دعت 17 دولة عربية “حماس” إلى تسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية من أجل التوصل إلى “حل عادل وسلمي ودائم للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس تنفيذ حل الدولتين”.

ترتبط مصر والأردن باتفاقيات سلام مع إسرائيل (وقعت عامي 1979 و1994 على التوالي) تضمن لهما المساعدات الأمريكية، ولم يشككا يومًا في صلاحيتها. وفي 7 أغسطس/آب، وقعت القاهرة وتل أبيب اتفاقًا ضخمًا بقيمة 30 مليار يورو لتصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر حتى عام 2040. أما الإمارات العربية المتحدة، التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل عام 2020، فقد وقعت عقودًا مع الصناعة العسكرية الإسرائيلية، إذ اشترت شركة إماراتية حكومية في يناير/كانون الثاني 30% من أسهم مورد للأسلحة.

في لبنان، – تتابع “لوموند” – لم يعلّق “حزب الله”، الذي عادة ما يسارع إلى التنديد بـ“اعتداءات العدو الصهيوني”، لانشغاله بالضغوط التي تُمارَس عليه للتخلي عن ترسانته الخاصة.

أما إيران فلم تذكر “حماس”، لكنها ندّدت بخطة تهدف إلى “إجبار السكان على النزوح”.

وفي اليمن، كان الحوثيون – آخر بقايا “محور المقاومة” – الوحيدين الذين حشدوا الشارع للتظاهر دعمًا للفصيل الفلسطيني المسلح.

ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعًا طارئًا، هذا السبت 9 أغسطس/آب، بناءً على طلب جميع أعضائه، باستثناء بنما والولايات المتحدة. وبالرغم من الاستنكارات شبه الإجماعية، فإن الموقف الأمريكي المنفرد ينبئ بمأزق دبلوماسي جديد وعجز المجتمع الدولي عن ثني إسرائيل عن التصعيد العسكري المعلن.

شاركها.