موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

ماذا لو اندلعت الحرب فعلاً؟

0 2

سؤال تزداد احتمالاته بالمقارنة مع ما كانت عليه هذه الاحتمالات، وليس بالمقارنة مع الواقع الرّاهن بالضرورة، وليس بالمقارنة مع «ضرورات» المستقبل.
أرى أن مثل هذا التوضيح هو احتياج منهاجي حتى لا نقع في عوالم التنبُّؤات، وعوالم الدراما السياسية التي تجد رواجاً كبيراً لها في هذه الأيام.
يرى معظم المراقبين والمتابعين لهذا الشأن، وينقسمون إلى ثلاثة اتجاهات على الأقل:
الأوّل، يرى أن الحرب إذا اندلعت فلن تكون أكثر، أو سوى عملية عسكرية محدودة من حيث ما ستستغرقه من وقت، ومن حيث ما ستستهدفه من مواقع، وذلك بهدف «إقناع» إيران بأن الإدارة الأميركية جادّة في تهديداتها، وأنّ من شأن عملية كهذه أن تجبر الدولة الإيرانية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بوضعٍ يشبه مفهوم المفاوضات «تحت النار» أو ما يشابهه.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن عملية عسكرية من هذا القبيل قد لا تستدعي الردّ الشامل من إيران، وبالتالي فإن هناك إمكانية لتفادي الانزلاق منها إلى عمليات أكبر وأخطر وأشمل!، وهذه الحرب ستعتبر حرب تحريك المفاوضات.
الثاني، يرى أن الحرب لا جدوى لها إذا لم تشتمل على ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وضرب هذه المفاعلات لا يمكن إلّا أن يستدعي ردّاً إيرانياً قوياً وشاملاً، حيث إن إيران تعتبر برنامجها النووي المفتاح الرئيس لمستقبل التنمية، وترى في امتلاك التكنولوجيا النووية حقاً كامل المشروعية، وعصب تطور كل مناحي الحياة الاقتصادية، وبالتالي الاجتماعية في المستقبل الإيراني، وهي ترى أن امتلاك هذه التكنولوجيا هو عامل سيادي من الدرجة الأولى، وضمانة لاستقرار نظامها السياسي، أيضاً، خصوصاً أن «الغرب» يحاصر إيران منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.
الحرب إن اندلعت وفق منظور محاولة «الغرب» لتدمير مفاعلاتها النووية هي حرب وجودية بالنسبة للدولة الإيرانية، و»الغرب» يدرك أن هذا البرنامج يستحيل أن يكون «سلمياً» بالكامل، وهو قابل للتحوّل إلى الوجهة العسكرية بما في ذلك القنابل النووية في اللحظة التي يحدّدها المستوى السياسي في إيران، وعلي خامنئي في موقعه المقرر هو الرأس الأعلى لهذا المستوى.
أما الثالث، فيرى أن الحرب إذا اندلعت ستكون حرباً فتّاكة، مدمّرة تشتمل على «إزالة» مناطق كاملة من خارطة إيران العسكرية، بكل تشكيلاتها البرية والصاروخية والبحرية، كما تشتمل على تدمير البنى التحتية الحيوية، وعلى أهمّ المرافق وخطوط المواصلات والاتصالات، وهي عملية عسكرية طويلة المدى الزمني نسبياً، وسيتم حتماً استخدام أسلحة هجومية فتّاكة، وربما أكثر فتكاً ممّا عرفناه وشهدناه حتى الآن، ولن يكون مستبعداً أن يتم استخدام بعض التقنيات غير المعروفة بما في ذلك بعض الأسلحة النووية «الموضعية»، وبما في ذلك «مفاجآت» استخبارية من الوزن الثقيل، واغتيالات «جماعية» لقيادات إيرانية من كل الأنواع والأصناف والمستويات.
هذه الحرب ليس فيها أي مجال لروح المغامرة أو المخاطرة، لأنها إذا اندلعت وفق كل هذا المنظور فهي تكون قد تجاوزت هذين المفهومين بخطوات، والحسابات فيها هي حسابات الفتك والتدمير والمحو والإزالة، وهي حرب مركبة جداً تتداخل فيها الحسابات مع الرهانات على جانبي معادلة الحرب.
الأمر المؤكّد أن الولايات المتحدة الأميركية تعرف بعمق أن فشل الحرب يعني فشلاً إستراتيجياً شاملاً في إعادة السيطرة والتحكّم بإقليم الشرق الأوسط كله، بكل ما ينطوي عليه هذا الإقليم من أهمية وخطورة، وبكل ما يحتوي من ثروات، وبكل ما يتميّز به من موقع وممرّات، وبكل ما يمثله من حضارة وثقافة مختزنة يمكن لها أن تساهم في تصحيح مسار تطوّر البشرية كلها. وبالتالي فإن الفشل سيعني الاختلال الأكبر على مستوى التوازنات الدولية، وسيكون بمثابة إعلان عن نهاية الحقبة الأميركية من التاريخ الحديث والتي امتدّت على مدار أكثر من 80 عاماً متواصلة.
وتدرك أميركا أن من بين أهم وأكبر وأخطر نتائج فشل الحرب على إيران أن المشروع الصهيوني مع فشل كهذا سيدخل مرحلة الأفول التاريخي، وسيكون الواقع السياسي الجديد الذي سيتشكّل تباعاً وتبعاً لهذا الفشل هو سقوط كل المنظومات السياسية التي احتمت بالمظلة الأميركية والصهيونية، وسيكون بمقدور هذا الإقليم أن يتحول إلى منظومة الشرق الجديد، وهو شرق يمتلك كل مقومات القطب العالمي الجديد في عالم ما بعد حقبة الهيمنة الأميركية.
هناك وبالتوازي مع هذه المنظومات الثلاث من يعتقد أن الحرب «مضمونة النتائج» من زاوية قدرة «الغرب» وقدرة دولة الاحتلال بالمقارنة مع قدرات الدولة الإيرانية إذا ما قيست القدرات بالشكل الحسابي المجرّد. وهذا في الواقع صحيح، وهو لا يمكن أن يكون غير ذلك.
لكن النظرة إلى حرب كهذه بالحسابات المجرّدة هي نظرة قاصرة لأن هناك عشرات العوامل التي تتجاوز حسابات القدرات المجرّدة من أهم علامات فعالية القدرة الأميركية والإسرائيلية، ومن خلفهما بعض البلدان الغربية في علاقات التبعية والذيلية لأميركا، وممّن قد «يتورّط» من بعض بلدان الإقليم هو فيما إذا كان الحلف الغربي بقيادة، أو تحت إمرة الرئيس الهائج ترامب الإمكانية الحقيقية لحماية القواعد الأميركية، والمراكز الحيوية الإسرائيلية من التدمير أو الإصابة البالغة.
فإذا فقد «الغرب» هذه الإمكانية فإن «انتصاره» في هذه الحرب هو انتصار وهمي، بل ويمكن اعتبار القصور «الغربي» هنا بمثابة الدليل المبكّر على الهزيمة، بالرغم من كل الحسابات المجرّدة للقوة.
وإذا كان «الغرب» غير قادرٍ على فرض فتح الممرّات بالقوة العسكرية، سواء في مضيقي باب المندب أو هرمز، وتمكّنت إيران من إغلاق الممرّين بمساعدة ومساندة جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) اليمنية، فإن معادلة الحسابات المجرّدة لا تعود بالأهمية النظرية التي توضع في الحسابات الحقيقية للحرب، وليس الحسابات المجرّدة.
وإذا كانت أميركا على الصعيد الاستخباري لا تمتلك المعلومات والمعطيات الدقيقية عن القدرات الإيرانية، وكان لدى إيران «مفاجآتها» في هذه الحرب، فهذا يمكنه أن يقلب معادلة الحرب كلها رأساً على عقب.. هذا دون أيّ حسابات لما يمكن أن تولّده الحرب من ردود أفعال شعبية مناهضة لـ»الغرب»، ومساندة لإيران، وخصوصاً من أتباع الطائفة الشيعية في منطقة الخليج، بما في ذلك هؤلاء الأتباع في لبنان والعراق.
وإذا امتدّت هذه الحرب على استقامتها فإن أحداً في هذا العالم لا يمكنه منع سقوط النظام السوري الجديد، والذي بات نظاماً هشّاً فاقداً للأهمية والشرعية، وهو لم يعد نظاماً مهماً لأحد، لا لتركيا، ولا لأميركا، ولا لدولة الاحتلال، ولا لـ»العرب»، بعد المجازر التي ارتكبت  ضد الطائفة العلوية، وبعد أزماته مع الدروز، ومع الكرد، وحتى بدء التبرُّؤ التدريجي منه من الطائفة السنّية التي اعتقدت أنه سيمثلها، واعتقد النظام أنه قادر على الاعتماد الكامل عليها.
وإذا ما اندلعت هذه الحرب بمعناها الشامل فإن معادلات كثيرة ستختلّ في لبنان والعراق، وستتبخّر ــ برأيي ــ كل الترتيبات الأميركية في كلا البلدين.
وإذا كان هذا ليس الانفجار الكبير للإقليم كله فما هو يا ترى الانفجار؟ وأي انفجار سيكون أكبر من انفجار كهذا، بما ينطوي عليه من نتائج وتبعات، وربما من دمار هائل بما في ذلك أزمات خانقة على مستوى الطاقة، وعلى مستوى التجارة الدولية، وعلى مستوى إمكانية انهيارات هائلة في جغرافيا المنطقة كلّها.
لم يُقدِم «الغرب» على حربٍ ضد إيران قبل أن تكون بالقوة التي هي عليها الآن، ولم يُقدِم على حربٍ ضدها قبل امتلاكها للصواريخ الفرط صوتية، وقبل امتلاكها لبحرية يُقال إنها من أقوى القوّات على مستوى الإقليم كله، وقبل أن يكون لها أذرع في العراق، وفي اليمن ولبنان، وقبل أن توزّع قدراتها العسكرية والنووية على مساحة تزيد على أكثر من مليون كيلو متر مربع من المساحة دون حسابات المناطق المأهولة، فهل يُقدِم «الغرب» على حربٍ طاحنة مدمّرة الآن، وفي ظل كل هذه التعقيدات السياسية والميدانية والعسكرية، وفي ظل كل هذه التبعات الهائلة لقضايا الطاقة والتجارة العالمية؟
يحضُرني في هذا المقام ما كان قد قاله الوزير السعودي المحنّك أحمد زكي اليماني، والذي كان أميناً عاماً لمنظمة «أوبك» لسنوات طويلة في محاضرة ألقاها في جامعة القاهرة قبل 10 سنوات أو أكثر أثناء احتفال الجامعة بالذكرى المئوية لتأسيسها، وباعتباره خرّيجاً منها.
قال اليماني في محاضرته الشهيرة آنذاك: إن الحرب على إيران هي واحدة من أصعب أنواع الحروب على «الغرب»، لأن إيران بإغراق سفينتين قديمتين في هرمز ستعطّل جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه من التجارة الدولية، والعالم سيحتاج إلى 6 شهور لتنظيف المضيق في أوقات السلم للعودة إلى ما قبل هذا الإغراق، و»الغرب» يغامر بحرب طائفية قاتلة ليست في مصلحته في الخليج، والعالم «الغربي» يغامر، أيضاً، بتدمير كل قواعده في المنطقة، ويغامر بكلّ شيءٍ دون ضمان أيّ نتيجة مؤكّدة.. هذا كله قبل أن تكون إيران على ما هي عليه اليوم.
الحرب فعلاً تزداد احتمالاتها والسبب ليس لأن أميركا، وكذلك دولة الاحتلال لا تحسنان الحسابات الدقيقة، وإنما لأن أزمة أميركا، وأزمة المشروع الصهيوني ستتفاقم كل يوم إذا لم تتم إزالة العقبة الإيرانية من أمام «الشرق الأوسط الجديد»، وهذا كل ما في الأمر.

اضف تعليق