موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

ماذا ينتظر غزة؟ عاطف أبو سيف

0 0

تواصل إسرائيل حربها المسعورة ضد شعبنا في غزة، وتتواصل مفاوضات التهدئة التي باتت هدفاً بحد ذاتها، ويواصل المجتمع الدولي بلا مواربة التعبير عن عجزه في وقف الإبادة، وتواصل الأطراف المختلفة تقديم الخطط والتصورات لمرحلة اليوم التالي الذي لا يعرف أحد كنهه، فيما لا أحد يتحدث عن اليوم الحالي وكيف يمكن أن ينتهي. فقط إسرائيل هي من تقوم بالفعل على الأرض، وهي من تقدم التصورات وتعمل على تطبيقها، ويبدو الجميع غير قادر على فعل شيء للتأثير في مخرجات الحرب الدائرة. وباستثناء المفاوضات التي تجريها «حماس» بشكل مباشر أو عبر وسطاء مع مفاوضي الاحتلال، فإن ما يجري ليس إلا تنفيذاً لبرامج وخطط إسرائيلية تم وضعها، ويتم تطويرها بشكل متواصل من أجل مواصلة تنفيذ الأهداف التي لم تعد خفية للحرب، والتي تسعى لإفراغ قطاع غزة من سكانه. هذا قد لا يحدث عبر التهجير القهري، ولكنه سيحدث مع تحويل الحياة في غزة إلى مهمة شاقة جداً، وجعل الجهد المطلوب بذله من أجل البقاء أمراً لا يحتمل، عندها تصبح الهجرة الطوعية مطلباً نبيلاً بل فعلاً إنسانياً يجب على الجميع أن يساهم في تحقيقه. وإذا كانت الدول الغربية وبعض دول العالم غير الغربية تخشي استقبال الفلسطينيين والحرب دائرة لخشيتها من أن يتم توجيه تهمة المشاركة في حرب الإبادة والتطهير إليها، فإن الحال سيتغير عما قريب حيث يبدو استقبال الفلسطينيين الراغبين في الهجرة فعلاً إنسانيا بحتاً.

ماذا ينتظر غزة غير ذلك؟

لا شيء. ينتظرها المزيد من الحرب والمزيد من الحصار والمزيد من المعاناة. لا أحد يشعر بالناس خاصة حركة «حماس» التي تتحكم بجزء كبير من مستقبلهم وتمسك بزمام الأمور في إدارة هذه الحرب مع إسرائيل. صحيح أن «حماس» فقدت الكثير من قوتها، لكن أيضاً ومع ذلك ربما فهي الطرف الذي يتفاوض مع إسرائيل حول مستقبل غزة، وما زالت تتعامل أيضاً أن العالم هو ذاته العالم في مساء السادس من أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2023 وأن شيئاً لم يحدث، فهي تطالب بأن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، وفي المجمل فإن هذا يعني شيئاً واحداً: أن تواصل حكمها لغزة. هذه هي غاية الحرب وهذه هي غاية السلم المنشود بالنسبة لـ»حماس».

كما قلنا سابقاً على هذه الصفحة، فقد تحولت المفاوضات حول التهدئة إلى عملية بحد ذاتها، وعلى ما يبدو فإن الطرفين في غير عجلة من أمريهما للوصول لاتفاق، وفيما يمكن الإفاضة حول دوافع نتنياهو في تعطيل أي اتفاق وفي إطالة عمر الحرب، لا يمكن قبول مواقف وإستراتيجية الطرف الفلسطيني المفاوض وهو في هذه الحالة حركة «حماس»، إذ إن عشرات المواطنين يرتقون كل يوم، وما تطالب به «حماس» اليوم هو ذاته ما رفضته يوم أمس، وما طالبت به يوم أمس هو ذاته ما رفضته أول من أمس وهكذا، وما ترفضه اليوم سيكون مطلبها غداً. القصة ليست بماذا نطالب ولا ما هو موقفنا، بل حقيقة الأمر تكمن في الإجابة عن السؤال: «ما هي مصلحتنا وما هي غاياتنا في هذه المرحلة؟». وربما باستثناء مفاوضي «حماس»، فإن جل الشعب الفلسطيني بات على قناعة تامة بأن وقف الحرب هو الغاية الأسمى والمطلب الأهم لنا كفلسطينيين، وربما باستثناء بعض مقاتلي ومشتبكي الكيبورد و»السوشيال ميديا» الذين ينعمون بترف ورخاء لا يجرهم إلي أي وجع في بعض العواصم العربية، فإن الشعب الفلسطيني يعرف أن الحفاظ على وجوده في قطاع غزة وإفشال مشروع التهجير يشكلان انتصاراً حقيقياً لإرادة شعب صمد في وجه حرب فتاكة لتسعة عشر شهراً. إن مجرد وقف الحرب هو انتصار حقيقي، ومن يقل غير ذلك يثبت يوماً بعد آخر أن كل الأمر ليس بأكثر من مغامرة لا غاية وراءها إلا إذا كان خلف الأكمة ما خلفها. كان الراحل صلاح خلف يقول: إن البندقية غير المسيسة بندقية قاطعة للطريق. وأظننا هنا في حال مماثلة حين نخوض حرباً لا نعرف ما هي غايتنا منها ولا ما هي مطالبنا، ولا كيف نوقفها. يمكن أن نتراشق الاتهامات ونتبادل الشتائم، ويمكن لعشاق الظهور على الفضائيات أن يستعرضوا بطولات يفشل في تصويرها كتاب المسلسلات ومؤلفو قصص الخيال، ولكن أيضاً هذا لأنهم يفعلون ذلك من خلف شاشة الكاميرا، ولم يجربوا يوماً أن يكونوا في الجهة المقابلة للعدسة.

غزة ليست عرضاً ترفيهاً، ولا جرعة أدرينالين زائدة لرفع منسوب الوطنية، ففي غزة مواطنون لا يجدون لقمة عيشهم ولا ماء يروي ظمأهم.

ماذا ينتظر غزة؟

هل ثمة نهاية لهذه الحرب؟ لا أحد يعرف، ولكن أيضاً لا أحد يمكن أن يعفي نفسه من المسؤولية، فالشعب الأعزل في غزة ينتظر من الجميع أن يتدخل لوقف هذه الإبادة، وما لم يحدث ذلك فلا أحد بريئاً إطلاقاً. هذا ليس شعب «حماس»، وبالتالي فإن الحركة الوطنية الفلسطينية غير معفاة من المسؤولية تجاه ما يجري لشعبنا، وهي مطالبة بأن تتقدم أكثر للدفاع عن شعبنا في وجه استمرار الحرب. القصة ليست في إدخال مساعدات، بل في وقف الحرب وعودة الأمن للناس، وفيما ستواصل «حماس» التلاعب في كل شيء من أجل استمرار وجودها في غزة، ووجودها يعني سيطرتها على غزة، فإنه مطلوب من منظمة التحرير ومن السلطة الوطنية الفلسطينية، بوصف الأولى الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده، أن تسعى للتفاوض مع الاحتلال حول مستقبل غزة، الأمر ليس بيدنا، ولم نكن نحن من جلبنا الاحتلال مرة أخرى إلى داخل المدن، ولكن علينا أن ننقذ ما يمكن إنقاذه: وأقصد هنا وجود شعبنا قبل أن تقع الكارثة ويسدل الستار على ما تبقى من الشريط الساحلي من أرض الآباء والأجداد.

اضف تعليق