ما الإضافة التي تقدمها “أنا غبتُ عنّي” للساحة الشعرية؟
أثير- مكتب أثير في تونس
قراءة : محمد الهادي الجزيري
نطلّ اليوم على ساحة شعرية نعتزّ بها ألا وهي الساحة اللبنانية ..ونتوقّف قليلا قرب جدول الشعر الشبابي المتمثّل في مجموعة شعرية لإحدى المواهب الصاعدة واسمها أسيل سقلاوي أمّا المجموعة فبعنوان ” أنا غِبْتُ عنّي ” ..، وأوّل ما تستهله العين : تقديم الشاعر والأديب طراد حمادة ، فقد قال فيما قال عن هذا الصوت الشعري الجديد :
” ..هذا الديوان يكشف عن شاعرة تُقدّم صورة مضافة صادقة مضيئة لشعر الشباب في لبنان، صوت شعري له إيقاعه الخاص ويشقّ طريق أسفاره بنفسه في طريق الوصول إلى المراد من جمال الشعر الخالص ..”
” الشعر فوز المستحيل
وربّما..
قد يخسر الشعراء
إن هم فازوا ”
بهذه الحقيقة المكتومة ..تضعنا أسيل وجها لوجه مع الشعر..، في أولى قصيدة لها في المجموعة ..، فكلّ فوز ونجاح يعدّ فشل للشعراء ..فإدراك المستحيل والإيمان بذلك هو طبعا الخسران بحدّ ذاته ..، أوليس الشعر هو إبحار متواصل ولا شعر إن قلنا : ها قد وصلنا …، إذ ينتهي كلّ شيء ..ويسقط حلمنا سقطة لا مثيل لها ..، فمن البداية تفطّنت الشاعرة لهذا النقطة الهامة الفاصلة الحاسمة ..وقد نبّهتنا ……….
تواصل الشاعرة الكتابة على الكتابة، ففي قصيدة ” غارُ الحرف ” تعترف أنّها تكابد وتعاني كثيرا من أجل تحبير بعض الجمل والحروف ..، وهذا دليل على صدقها ..فمن لا يجاهد نفسه ويدفعها دفعا إلى فوهة الكلمات ..لن يكتب شيئا مغايرا وليس له ما يضيف ، تقول أسيل سقلاوي :
” صمْت القوافي شعلة الإيحاءِ
لا حرف يأتينا بغير عناءِ
………………
في العلم يمشي الفكر مختال القوى
وقصيدتي تمشي على استحياءِ “
في قصيدة جميلة ورائعة ..قرأتها مرّات عديدة ..وتمعّنتُ في معانيها وأبحرت معها نحو تخوم الذات الكاتبة ..، لقد باحت لنا أسيل رغم أنّ الصمت مهيمن عليها ..ولكنّها لا تملّ الثبات والإصرار على الشدو ..، ورغم أنّ الصبر (لاذ بتعبير مجازي) ببطن الحوت فإنّها لم تضلّ ولن تضلّ أبدا عن ماهية العشق ..، وأجمل المعاني ادْخرتْها للأخير حين وصل بها الوجد أن تستدلّ على المحبوب بأشواقها ..:
” أنا وجع وذاك الصمت ظلُّ
يملّ الصمت لكن لا أمَلُّ
وعشقي مدلهماتُ الليالي
به راحت تلوذ وتستظلُّ
ببطن الحوت زاغ الصبر عنّي
ولكن لست عشقي أضِلُّ
فصرني طائرا أسعى بدمعي
إليكَ …. عليكَ أشواقي تدلُّ ”
ثمّة صوفية محبّبة للروح ..يجدها القارئ عند أسيل سقلاوي ..، وتلبّس بالحقّ والخير مع امتنان جزيل لله عزّ وجلّ ، في قصيدة بعنوان ” جهل في مهبّ العارفين ” شدّني في مطلعها هذا النشيد المبتهل وهذه السكينة المطمئنة ..، نعم نحتاج مثل هذا الشعر لهداية النفوس وتأطيرها ..تقول الشاعرة :
” الله أودع في السكينة حبَّه
كي يدركوا
أنْ فيه يفنى العاشقونْ
هو لهفة المشتاق
إنْ هي أعرضت هذي الحياةُ
وأدبرتْ
تلك السنونْ
هو مالك الأسبابِ
سيّدها
مسبّبها
هو الميعاد
إنْ حضر المنونْ ”
ونختم هذه النزهة الخاطفة في هذا المرج الشعري الذي يحتاج أكثر من قراءة لموهبة لبنانية ضاربة عروقها في جذور الشعر الأدب اللبناني ..، قلت نختم بفقرة قصيرة وردت على لسان رئيس الحركة الثقافية الأستاذ بلال شرارة :
” ..إنّه شعر خالص، ليس هذيانه، ولا تعبيرات حيرة، ولا حديثا عابرا للشفاه، وليس لغة تمني ….، أنا أقدّم لكم هذا الماء وهذا الطين على سجادة للصلاة، لغة ناضجة بالشعر وبسطوة الأحرف البحرية وزجاج النوافذ التي تقيم خلفها عيون عصفورة الشعر : أسيل سقلاوي “