مجموعة قصصية لـ “آية السيّابية”، إليك قراءة فيها
أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
التركيز على شيء ما، خاصة في الأدب يؤدي العكس، ثمّ إنّ كلّ شيء يُقال، إذا بحثنا جيدا عن المفردات، وهذا ما حدّثتُ نفسي به وأنا أنهي القصة الأولى من هذه المجموعة التي تحمل عنوان “عشّة أبي” ، فلا توجد مواضيع منبوذة ومتروكة، فكلّ أفعال الحياة متاحة للنقد والتمحيص والمراجعة، من قِبل الخيّرين المؤمنين بالإنسان الحرّ، وهذا ما لاحظته في حواري الفائت مع آية السيّابي بمناسبة تتويجها بالمركز الأوّل في مسابقة الإبداع الثقافي للمرأة الخليجية، فهي شابة ذكية وشجاعة وموهوبة، وتكتب بكلّها على عكس العديد من المتطفلات على الأدب، ولكن، أحسّ أحيانا أنّ في عقلها جلاّدا لابدّ من إدانته على كلّ ما اقترفه في المرأة من دونيّة وظلم فادح، علما أنّ الجريمة تقاسمه المرأة نصيبا منه، وذاك حديث يطول…
في قصة بعنوان “لطخة” تتبع الساردة امرأة أندونيسية في رحلتها من مكان إقامتها إلى مقرّ عملها الجديد، وهي رحلة شاقة وطويلة، تحدّث فيها المرأة / الخادمة نفسها وطفليها الذيْن خلّفتهما عند أمّها، وتنتهي بها الرحلة في بيت المؤجر وربّة البيت والأسرة التي ستعمل عندها، خلاصة القول أشارت آية السيّابي إلى الظروف الصعبة التي تشتغل فيها الخادمات الأجنبيات والفرز المدروس من قِبل أرباب البيوت، فعلى سبيل المثال ثمّة حادثة ساقتها القاصة في علاقة “لينا” اسم الخادمة وبقية العائلة:
“في إحدى سهرات نهاية الأسبوع كان محمد ذو العشرين عاما، وهو الابن الأكبر للعائلة يبحث عن صحن يضع عليه قطعة البيتزا، تناول صحنا من الرفّ وجلس أمام التلفاز مع بقيّة أفراد العائلة لمتابعة فيلم كوميدي، حينما صرخت أمّه باشمئزاز:
– محمد، من ناولك هذا الصحن؟
– أنا يا أمّي، لكن لماذا؟
همّت الأمّ بنزع الصحن بغضب من يد ولدها ونادت ليانا بصوت غاضب:
– ليانا هذا صحنك، لا تناوليه لأحد.
– لكني غسلته جيّدا سيدتي.
– نحن لا نستخدم أطباق الخدم.. هل فهمت؟
– حاضر سيدتي”
في قصّة أخرى بعنوان “ثريّا” تنتقد القاصة بقوّة ما يحدث لدى الأسر العربية (وليست حكرا على الأسر العُمانية)، فتكون الكارثة التي لا بدّ منها، خاصة في ظلّ هيمنة الفكر الذكوري داخل العائلة، مثل عدم مكالمة الأخت لأخيها الأكبر وعدم الأريحيّة في الحديث معه، خلاصة القصة خطأ طبّي في أحد المراكز الطبية، يفهم منه أخ أكبر أنّ المريضة أخته، وقعت في المحظور، ويأخذها إلى الصحراء حيث يمحو العار، وبعد ذلك يرنّ هاتفه ويأتيه خبر كالصاعقة:
“هاتف يصل إلى أخيها من مركز صحي:
نودّ إبلاغكم أنّ نتيجة فحص ثرّيا سليمان تُظهر أنّها تُعاني من القولون العصبي، وعليها مراجعة المركز غدا لمتابعة العلاج..”
وتختتم آية السيّابي بجملة رهيبة ومعبّرة أيضا:
“إذا كُسر الشراع فكيف للريح أن تعينك”
كتبت المبدعة عائشة السيفي عن المجموعة نصّا افتتحت به آية السيّابي المتن السرديّ وممّا حبّرته من كلمات معبّرة عمّا يختلج داخل هذه النصوص:
“..إنّها ليست الحكايات فقط، ما يُكتب في هذه المجموعة لكنّها المشاعر، والانثيالات والأوجاع والتفاصيل التي لا تُسمع على الملأ ولا حتّى خلف الأبواب الموصدة لكن قلم الكاتبة ما يلتقطها، ويحفر فيها ويُحولّها إلى نصوص تُقرأ في هذه المجموعة”
هذه عودة لآية السيّابي في مجموعتها “لن أواري سوأتي” المتحصّلة مؤخّرا على المركز الأوّل في مسابقة الإبداع الثقافي للمرأة الخليجية، أبديت فيها بعض الملاحظات التي قد تخطئ أو تصيب.. وخاصة الابتعاد عن إدانة الرجل في كلّ ما تتعرّض له المرأة، وللحديث شجون أخرى، على كلّ أفتخر بقراءة هذه المجموعة وأشجّعها، أكيد أنّ لها مستقبلا باهرا في الكتابة السرديّة…….