ل الباحث والضابط الإسرائيلي السابق ميخائيل ميلشتاين، في مقالة نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت الأحد، إن الولايات المتحدة باتت طرفا حاضرا في الميدان بما يتعلق بقطاع غزة، إذ تتدخل في القرارات العسكرية والسياسية، وتملي على إسرائيل حدود تحركاتها.

وأضاف أن الولايات المتحدة باتت تمارس اليوم نفوذا غير مسبوق في تحديد الواقع الإسرائيلي والفلسطيني، خصوصا في غزة، وأنها لم تعد مجرد ‘شرطي مرور’ يوجه الأوامر من بعيد.

وكتب ميلشتاين أن ما يحدث اليوم يمثل مرحلة جديدة في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، تختلف جذريا عن عقود سابقة شهدت توجيهات أميركية أو ضغوطا ظرفية، إذ تتحول الآن إلى إدارة ميدانية مباشرة تشمل الشؤون المدنية في قطاع غزة، مع نية تدريجية لإحلال إدارة أميركية دولية محل السيطرة الإسرائيلية، أولا في المجال الإنساني ثم ربما الأمني.

وقال ميلشتاين إن التاريخ الإسرائيلي ‘مشبع بالتدخلات الأميركية’، لكنه يلفت إلى أن ‘التدخل الحالي ليس تعليمات عليا، بل مشاركة من الداخل’، إذ أنشأت واشنطن مركز التنسيق المدني العسكري في كريات غات ليكون بمثابة غرفة عمليات تدير ملف قطاع غزة.

ورأى أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ساهمت في الوصول إلى هذا الواقع عبر ‘التمسك بأوهام كثيرة، أبرزها الامتناع عن مناقشة اليوم التالي للحرب، والاعتماد على القوة العسكرية كأنها بوصلة إستراتيجية، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستقف دائما إلى جانبها مهما حدث’.

وشرح أن تلك العقلية بلغت ذروتها عندما هاجم نتنياهو قطر عسكريا، وهو ما وصفه ميلشتاين بأنه ‘خطأ إستراتيجي أدى إلى إنهاء الحرب تحت إكراه أميركي’، إذ خشيت واشنطن من انهيار السيطرة الإسرائيلية على الأرض، ففرضت وقف إطلاق النار، بينما خرجت قطر أكثر نفوذا في الساحة الإقليمية.

ويشير الكاتب إلى أن شخصيات بارزة في الإدارة الأميركية، مثل ترامب ونائبه جيه دي فانس ومبعوثه ستيف ويتكوف ومستشاره جاريد كوشنر، أكدت صراحة في تصريحاتها الأخيرة أن واشنطن أجبرت إسرائيل على وقف الحرب، وأن أي تحرك عسكري أو دبلوماسي في غزة يتطلب موافقة مسبقة من الولايات المتحدة.

وأعرب ميلشتاين عن رأيه بأنه من الأفضل لإسرائيل ‘أن تواجه الواقع كما هو’ بدلا من تكرار الروايات المضلِّلة التي تُجمِّل الوقائع.

وكتب ‘إسرائيل ليست محمية أميركية، لكن نطاق حركتها أصبح محدودا بشكل كبير، والولايات المتحدة هي من تحدد الإيقاع في غزة’.

كما قال إن وقف إطلاق النار الراهن هشّ، لكنه سيبقى قائما طالما أراد ترامب ذلك، مرجحا أن يفضي الأمر إلى تسوية جديدة تشمل إقامة إدارة فلسطينية بديلة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ونزعا جزئيا لسلاح الحركة، مع بقائها في المشهد على طريقة حزب الله في لبنان، أي بوجود سياسي محدود ونفوذ ميداني غير رسمي.

ومن وجهة نظره، يجب أن تضع إسرائيل نصب عينيها أهدافا واقعية قابلة للتحقيق وهي ضمان عودة جميع الأسرى والمفقودين، والحفاظ على حرية العمل ضد أي تهديد في غزة وفق النموذج اللبناني، وإنشاء آلية مراقبة فعالة لتوزيع المساعدات الإنسانية، والحيلولة دون وصول مواد إعادة الإعمار لحماس.

كما يشدد ميلشتاين على ضرورة وجود نظام رقابة أميركية على محور فيلادلفيا ومعبر رفح لمنع وصول السلاح إلى القطاع.

وختم ميلشتاين مقاله بتحذير واضح من ‘إن الإصرار على الأمل بالعودة إلى حرب شاملة أو احتلال القطاع مجددا يمنع الحكومة من فهم التغييرات الدراماتيكية التي تحدث. الإنجازات الممكنة اليوم ليست مثالية، لكنها أفضل من سيناريوهات الاستنزاف أو الفوضى’.

ورأى أن الدوغمائية وازدراء العلاقات مع العالم، كما ظهر خلال الحرب، لم تضر فقط بصورة إسرائيل، بل منعت تحقيق أهدافها.

وخلص إلى أن ‘الاعتراف بواقع النفوذ الأميركي لا يُضعف إسرائيل، بل يمنحها فرصة لإعادة صياغة علاقاتها مع واشنطن على أسس عقلانية جديدة بدلا من الارتهان للأوهام’.

شاركها.