محمد العارضة من غرفة المتر ونصف إلى سهول الحرية..
“حفرت النفق لأصل الى أمي”، قال محمد العارضة الذي تحرر للمرة الثانية من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهذه المرة ضمن الدفعة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
عاد محمد لحضن أمه، بعدما أمضى 23 عاما في الأسر.
قبل أربع سنوات، وتحديدا في السادس من أيلول عام 2021، تمكن العارضة رفقة 5 من رفاقه في الأسر من انتزاع حريتهم من سجن “جلبوع” عبر نفق حفروه تحت إحدى الزنازين، لكن الاحتلال أعاد اعتقاله رفقة زكريا الزبيدي.
يقول العارضة إن هدف الهروب الأول كان إنسانيا خالصا، وهو الوصول الى أمه التي أنهكها التعب وأكلت من جسدها سنوات العمر، فكانت فكرة انتزاع طريقة للوصول إليها.
“الفكرة كانت من محمود العارضة، ابن عمي ورفيقي في السجن، كي نرى وجوه أمهاتنا اللواتي نخشى أن يغيبهن الموت، وكان المهم أن نصل إلى أمهاتنا”، يقول العارضة.
ويتابع: “الحرية هي الحرية، بإحساسها ومعناها، لكن أن تعيش دقيقة واحدة حرا، أفضل من العيش 20 سنة في ذل وهوان، لذا اعتبرت أن الأيام الخمسة التي قضيتها في سهول البلاد بعد انتزاع الحرية مسحت سنوات السجن الـ20 كلها”.
وسط بلدة عرابة، تستقبل أم محمد نهارها، منذ وصول ابنها بترديد الأهازيج والأغاني، أغان نظمتها خلال سنواته في الأسر، وغنتها في المناسبات والأعياد التي غاب عنها محمد.
“أمي سيدة عظيمة، رغم رقة كلماتها، التي ترتبها وتعطيها قافية جميلة، رغم حنيتها وبشاشة وجهها، لكنها عظيمة ولها أقدام ثابتة في هذه الأرض”، يقول العارضة.
في الليلة الأولى له في المنزل، حضّرت والدته الغرفة، وجهزت السرير لينام براحة، لكنه انتظر كل هذه السنوات لينام بجانبها، يقول العارضة.
صباحا كان محمد يتجول في أراضي البلدة، يقول إن شيئا داخله لا يدرك حتى الآن كيف انتقل من مساحة لا تتجاوز مترا ونصف المتر إلى كل هذه الأميال من الحرية.
“هذه أول حبة لوز أخضر آكلها منذ 23 عاما، صغيرة جدا وفي غير وقتها المعتاد، لكنها ألذ حبة لوز أكلتها في حياتي”، يقول محمد.
ويضيف: “لحظة إعادة اعتقالي بعد خروجي من النفق، كنت أثق أنني سأعود يوما ما، لنفس العمل الذي بدأته منذ كنت طفلا، فلاحا في أرضي، وها أنا الآن في أرضي.”
حول حياته في السجن، تحدث محمد عن سنوات العزل التي لحقت عملية الخروج من النفق. “قضيت سنوات في العزل، كنا نضرب بشكل شبه يومي، ورغم آثار الضرب على جسمي كانت إدارة سجون الاحتلال ترفض علاجي”، يقول محمد.
وأضاف “حتى الأيام الأخيرة في عوفر مارست إدارة سجون الاحتلال التنكيل، وحاولت بشكل متعمد أن يبقى الأسرى مستيقظين، وكانت تتعمد عدم حصولهم على قدر كاف من النوم، إضافة لأساليب الضغط النفسي”.
محمد العارضة من مواليد عام 1982 في بلدة عرابة جنوب جنين، درس في الابتدائية والإعدادية في مدارسها، وبعد سجنه تمكن من إكمال تعليمه الجامعي ونال درجتي البكالوريوس، والماجستير.
اعتقل العارضة عام 2002 بعد حصار منزل كان يتواجد بداخله في رام الله، وحكم بالسجن المؤبد لثلاث مرات إضافة لعشرين عاما.