خلال العامين الأخيرين أصدر الرئيس أبو مازن عدة مراسيم رئاسية متلاحقة وأحياناً متناقضة وأحدثت ارباكا في الساحة الفلسطينية وكأن الرئيس في سباق مع الزمن وتحت ضغوط متعددة المصادر تفرض عليه هذه العجلة، وفي هذا السياق يمكن افتراض ثلاثة أسباب وراء هذه الربكة في المراسيم:
1 ضغوط دولية لإدخال إصلاحات على السلطة والرئيس يعتقد أن هذه القرارات والمراسيم قد تلبي مطالب الخارج، بينما مفهوم الخارج وخصوصاً واشنطن للإصلاح يتضمن تغيير مناهج التعليم ووقف التحريض وإبعاد شخصيات غير مرغوب فيها من إسرائيل وواشنطن وفرض أخرى والحد من تحرك القيادة نحو حل الدولتين ،وهي أمور لا يستطيع ولا يرغب الرئيس القيام بها، وقد يقوم بها من سيخلفه، أما مفهوم الإصلاح عند الشعب فيعني انتخابات عامةللسلطة ومنظمة التحرير بما يغير الطبقة السياسية.
2 عامل السن، فوصول الرئيس إلى عمر 89 سنة ووضعه الصحي يُضعف قدرته على متابعة كل القضايا وهي متعددة ومتشابكة وهو الذي يدفع للتخوف من حدوث صراع على خلافته بين البعض في مراكز القوى خصوصاً في مركزية حركة فتح أو من خارجها، وبالتالي يريد الرئيس حسم أمر خلافته لشخص حسين الشيخ المقبول من الأطراف الخارجية والمضمون ولائه للرئيس وأولاد الرئيس، ولكنه مثير للجدل داخل حركة فتح وفي الأوساط الشعبيةكما لا يتوفر على كاريزما القيادة والزعامة.
3 التخوف مما يتم ترتيبه من طرف ترامب ونتنياهو ودول عربية لتغيير القيادة والنظام الفلسطيني وتجاوز الرئيس ومنظمة التحرير وحتى السلطة القائمة ونخبتها، وشبح مروان البرغوثي وناصر القدوة يحوم فوق المقاطعة ليحل محل شبح محمد دحلان.
ومن هذه المراسيم والاعلانات الدستورية المربكة:
أصدر الرئيس في 27 نوفمبر 2024 مرسوماً دستورياً ينص على تولي روحي فتوح، بصفته رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مهام رئيس السلطة الفلسطينية في حال شغور المنصب ولمدة 90 يوماً إلى حين اجراء انتخابات عامة، وفي نفس المرسوم جاء أن يتولى حسين الشيخ منصبَي نائب رئيس دولة فلسطين، ونائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وصادقت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في 26 أبريل 2025 على تعيين حسين الشيخ نائباً لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس دولة فلسطين.
وفي يوم السبت 19/7/2025 أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بصفته رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قراراً نصه (إجراء انتخابات المجلس الوطني قبل نهاية 2025، وفي موعد يُحدّده الرئيس عباس نفسه)!
وحينها كتبت متسائلاً حول إمكانية إجراء الانتخابات خلال أشهر؟ ولماذا يتعجل الرئيس في إصدار مراسيم لا تُنفذ أحياناً أو يتم التلاعب في تنفيذها؟ وهذا ما جرى. فبعد أيام وفي السابع من أغسطس عقدت اللجنة التحضيرية لانتخابات المجلس الوطني اجتماعها الأول، حيث حددتإجراءات ووضعت شروطا واستدراكات تجعل من المستحيل اجراء الانتخابات في الموعد الذي جاء في مرسوم الرئيس، حيث من الملاحظ أن ما صدر عن اللجنة يلغي ما ورد في مرسوم الرئيس، كما ينتاب نصوصها كثير من الالتباس، حيث قالت اللجنة إن الانتخابات ستُجرى بعد وقف الحرب ولا نعرف معنى وقف الحرب وهل هي الحرب على غزة أم الحرب على كل الشعب في الضفة وغزة؟ وهل الحرب مع الاحتلال بدأت يوم السابع من أكتوبر٢٠٢٣ وقبلها لم تكن حرباً؟ ومتى ستتوقف حرب غزة وكيف ستكون النهاية؟ وهل بدء تطبيق مبادرة ترامب ووقف إطلاق النار يعني وقف الحرب؟
وفي نفس البند الأول جاء أيضاً (ستكون فترة تعافي تمتد لسنة ثم توفير البيئة المناسبة لإجراء انتخابات في القدس وقطاع غزة والضفة الغربية)!! ثم (الحوار مع الكل الفلسطيني من منظمات وفصائل سياسية ونقابات واتحادات ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المستقلة للوصول إلى توافق عام قبل إجراء الانتخابات)!
بعد شهر من مرسوم انتخابات المجلس الوطني وتفاؤل بعودة الروح لمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد لكل الفلسطينيين، وهذا ما كنا نتوقعه من مرسوم الرئيس وخصوصا أنه جاء بعد تهديدات اليمين الصهيونية بإنهاء وجود السلطة الفلسطينية، أصدر الرئيس يوم الاثنين 18 أغسطس مرسوماًبتشكيل لجنة لصياغة دستور مؤقت للانتقال من وضعية السلطة الوطنية إلى الدولة، في إطار التحضير لإجراء انتخابات عامة، مع إنه توجد مسودة دستور مؤقت وضعتها لجنة شكلها الرئيس أبو عمار وكانت برئاسة نبيل شعث ،وساهم في إعداد النسخ المتعددة عدد كبير من الشخصيات الفلسطينية والعربية والدولية من سياسيين ومن أعلام القانون الدستوري،وقدمت اللجنة النسخة الثالثة المنقحة في الخامس عشر من أيار/ مايو 2003، وفي العام 2011 أصدر الرئيس محمود عباس تعديلاً على تشكيل لجنة صياغة الدستور وكلف السيد سليم الزعنون برئاسة اللجنة ونبيل شعث نائباً له.
وحول المرسوم الأخير بتشكيل لجنة اعداد الدستور قالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا”، إن الرئيس أصدر “مرسوماً رئاسياً بتشكيل لجنة صياغة الدستور المؤقت للانتقال من السلطة إلى الدولة”، وذكرت أن ذلك جاء “في إطار التحضير للذهاب إلى الانتخابات العامة بعد وقف العدوان وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي وتولي دولة فلسطين مسؤوليتها في قطاع غزة، وفي إطار الاستعدادات للمؤتمر الدولي للسلام على مستوى القمة في سبتمبر المقبل لتنفيذ حل الدولتين”! وتم عقد المؤتمر في نيويورك ولم نسمع عن الدستور المؤقت ولا عن الانتخابات، كما أن امتداد السلطة لقطاع غزة أصبح أبعد منالا وخصوصا بعد اجتماع القاهرة الأخير للفصائل لداية الأسبوع الماضي.
وأخيراً وقبل يومين، الأحد الموافق 26 أكتوبر أوردت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية “وفا” القرار الرئاسي الذي ينص بأنه: “إذا شغر منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، في حالة عدم وجود المجلس التشريعي، يتولى نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، نائب رئيس دولة فلسطين، مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً، لمدة لا تزيد على تسعين يوماً، تجري خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد، وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني”.
وبيّن القرار أنه “وفي حال تعذر إجراء الانتخابات خلال تلك المدة لقوة قاهرة، تمدد بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني لفترة أخرى، ولمرة واحدة فقط”.
وبموجب الإعلان الدستوري الجديد، يلغى الإعلان الدستوري رقم (1) لسنة 2024، والذي نص على تولي رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مهام رئيس السلطة في حال شغور المنصب.
مع تفهمنا لصعوبة المرحلة وما تواجهه القضية الوطنية من تحديات وأهمية ترتيب الوضع الداخلي حتى في نطاق السلطة الفلسطينية، فإن ملاحظاتنا تدور حول أنه يتم بالتدريج تجاهل منظمة التحرير أو تأجيل مسألة تفعيلها كما هناك تراجع عن الحماسة حول الدولة الفلسطينية وعودة التركيز على السلطة وهذا ما نستنتجه من أن الإعلام الدستوري الأخير يتحدث عن رئاسة السلطة الفلسطينية فقط وعدم الوضوح فيما يتعلق برئاسة دولة فلسطين ورئاسة منظمة التحرير، فهل سيم تدارك الأمر بمراسيم لاحقة؟ أم سنعود لحالة تمركز الرئاسات في يد واحدة ويجمع حسين الشيخ بيده كل الرئاسات: السلطة والمنظمة والدولة؟.
Ibrahemibrach1@gm ail.com
