في خطوة وُصفت بأنها ضربة قوية لشبكات القرصنة الرقمية، أُغلقت منصة Streameast، التي عُرفت كأكبر موقع لبث المباريات الرياضية بشكل غير قانوني في العالم. هذا الإنجاز جاء ثمرة تعاون دولي واسع النطاق، شاركت فيه السلطات المصرية جنبًا إلى جنب مع منظمات عالمية لمكافحة القرصنة. وتكشف تفاصيل القضية حجم التحدي الذي يواجهه قطاع الإعلام الرقمي، والانعكاسات الاقتصادية والأمنية لهذه الظاهرة التي تتجاوز مجرد مشاهدة مباراة دون اشتراك.

منصة عالمية مقرها الشيخ زايد

رغم أنها خدمت ملايين المستخدمين حول العالم، كان مقر المنصة المفاجئ في مدينة الشيخ زايد بمصر. وبحسب تقارير منظمة ACE (التحالف من أجل الإبداع والترفيه)، فإن Streameast اعتمدت على شبكة من 80 نطاقًا غير مرخص، ما جعلها منصة عابرة للحدود يصعب تتبعها. لكن الجهود الأمنية المصرية نجحت في مداهمة مقرها، والقبض على شخصين متورطين في إدارتها، مع مصادرة أجهزة حاسوب وهواتف ومبالغ مالية وبطاقات مصرفية.

أرقام تكشف حجم الخسائر

تشير البيانات إلى أن المنصة حققت 1.6 مليار زيارة في عام واحد، وهو رقم يكشف عن مدى إقبال الجماهير على المحتوى المجاني غير المرخص. هذه الأعداد الضخمة حرمت شركات البث الرسمية من عوائد بملايين الدولارات، سواء من الاشتراكات أو من الإعلانات. كما أظهرت التحقيقات أن المنصة مرتبطة بشركة وهمية في الإمارات، استُخدمت كغطاء لغسل عائدات الإعلانات، والتي بلغت ملايين الجنيهات الإسترلينية، إضافة إلى تحويلات بالعملات الرقمية.

المنصة المقرصنة.. مقرها في الشيخ زايد

كشف الدكتور محمد النمر، أستاذ بكلية الهندسة في جامعة طنطا، أن المنصة التي تم إغلاقها كانت تتخذ من مدينة الشيخ زايد مقرًا لها. وقد نجحت هذه المنصة، عبر استغلال ثغرات تقنية متطورة، في بث المباريات الرياضية بشكل غير قانوني، مما تسبب في خسائر بملايين الدولارات لشركات البث الرسمية. لم تتوقف الأضرار عند هذا الحد، بل امتدت لتؤثر سلبًا على الاقتصاد الرقمي ككل، الذي يعتمد على الثقة والشرعية كأساس للنمو.

إنجاز يعكس قوة التعاون الدولي

أكد النمر أن إغلاق هذه المنصة لا يمكن فصله عن التعاون الوثيق بين مصر والجهات الدولية المتخصصة في مكافحة القرصنة الإلكترونية. فهذا التحرك يعزز صورة مصر كدولة تلتزم بالمعايير العالمية لحماية المحتوى الرقمي، ويبعث برسالة طمأنة للمستثمرين في قطاع الإعلام والاتصالات بأن بيئة الاستثمار في مصر آمنة ومتطورة.

دعم الاقتصاد الرقمي وتوفير فرص عمل

يرى النمر أن هذه الخطوة لن تتوقف عند مواجهة القرصنة فقط، بل ستفتح الباب أمام تطوير منصات رسمية قانونية توفر خدمات آمنة وموثوقة للمستهلكين. هذه المنصات قادرة على خلق فرص عمل جديدة في مجالات التكنولوجيا والإعلام، ما يساهم في دعم الاقتصاد الرقمي الذي يشكل أحد أعمدة التنمية المستقبلية.

رسالة إلى المستهلكين

لم ينسَ الخبير توجيه رسالة مباشرة إلى الجمهور، مفادها أن الاعتماد على المنصات الشرعية ليس مجرد التزام قانوني، بل هو دعم مباشر لصناعة الرياضة ولحقوق الأندية واللاعبين. ورغم أن تكلفة الاشتراك القانوني قد تبدو مرتفعة للبعض، إلا أنها تضمن جودة البث وتطوير صناعة إعلامية احترافية.

إغلاق منصة Streameast ليس مجرد إجراء أمني، بل هو رسالة عالمية بأن زمن القرصنة الرقمية بلا حساب قد انتهى. وتؤكد هذه العملية أن حماية حقوق الملكية الفكرية باتت شرطًا أساسيًا لتطور الإعلام الرياضي والاقتصاد الرقمي. وبينما تتطلع الجماهير إلى مشاهدة المباريات بجودة عالية وأسعار مناسبة، تبقى المنصات الرسمية هي السبيل الآمن لضمان استدامة صناعة الرياضة والإعلام، في عالم تتزايد فيه التحديات الرقمية يوماً بعد يوم.

شاركها.