هاجم بعض الجهلة والمأجورين من عبدة الأحزاب التي لا تعرف معنى الوطنية ولا مقتضيات ميراث الأمة المشترك، دولة الجزائر بسبب موقفها في مجلس الأمن بالتصويت لصالح القرار الدولي لتثبيت اتفاق وقف حرب الإبادة والتهجير، في موقف جزائري حكيم انطلق من مسؤولية وواقعية سياسية لا يعرفها تجار الشعارات والتبرعات.

إن الطعن في الدبلوماسية الجزائرية التي أثبت أنها أهم مدارسالدبلوماسية العربية، يعد سذاجة غير بريئة، لأن الأداء الرزين للدبلوماسية الجزائرية يشهد له الصديق والخصم، منذ أن أدخلت الجزائر الرئيس الشهيد ياسر عرفات إلى قاعة الأمم المتحدة ليعلن المعادلة الفلسطينية الخالدة (جئتكم بالبندقية في يد وغصن الزيتون في اليد الأخرى فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي) ومنذ ذلك اليوم لم يدخر رجال الخارجية الجزائرية أي جهد لدعم فلسطين في المحافل الدولية والإقليمية وفي كثير من اللقاءات الثنائية.

فضلا عن ذلك، وعلى مدار عامين من عدوان الإبادة والتجويع والتهجير بقي صوت الجزائر عاليا في دعم الحق الفلسطيني والعمل على وقف المذبحة المروعة التي كان ضحيتها استشهاد أكثر من 100 فلسطيني كل يوم على مدار أكثر عامين من العدوان الذي لم تشهد مثله البشرية في التاريخ المعاصر.

الموقف الجزائري في مجلس الأمن انطلق من رؤية متوازنة تدرك تفاصيل الصراع المُعقد، ومن مسؤولية تمثيل صوت المجموعة العربية،والتركيز بشكل أساسي على وقف نزيف الدماء عبر تثبيت وقف إطلاق النار الدائم والشامل في قطاع غزة، والإسراع في إدخال وتقديم المساعدات الإنسانية دون عوائق، بما يضمن عودة الحياة الطبيعية، ومنع التهجير، والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال وإعادة الإعمار دون إغفال الإشارة إلى حل الدولتين باعتباره الحل السياسي الواسع لوقف معاناة الشعب الفلسطيني.

ومن الغريب في موقف المُنتقدين للموقف الجزائري في مجلس الأمن أنهم أغفلوا أن القرار في مجمله اعتمد على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي ووافقت عليها كل الفصائل بعد عامين من تفويت كل الفرص التي كانت قادرة على وقف العدوان الدموي وسحب الذرائع الإسرائيلية لاستمراره، خاصة أن بصمات الجزائر واضحة في المساهمة في إجراء تعديلات ضرورية على مضمون القرار حتى لا يخالف قرارات الأمم المتحدة السابقة التي أقررت الحقوق الفلسطينية وإعلان نيويورك لحماية حل الدولتين.

يبدو أن بلهاء السياسة وأصحاب المصالحة الواسعة والرؤية الضيقة لا يريدون لهذه الحرب أن تتوقف أو أن يبقى الشعب الفلسطيني تحت رحمة حكومة اليمين المتطرفة ويدها الطليقة لاستمرار العدوان وقتل الأطفال وكسر أعمار الشباب وهدم البيوت والمدارس والمساجد، حتى تتسع بقعة الدم والألم والقهر، لتبقى القضية مساحة للجعجعة والشعبوية المقيتة وملف ساخن لتجار الحروب.

كل الشكر للجزائر التي استجابت لرغبة غالبية الفلسطينيين في قطاع غزة الذين يحتاجون وقف الحرب وفتح باب الإغاثة والأمل لدخول الطعام والدواء وما يقي من برد الشتاء، وإلزام قوات الاحتلال على الانسحاب من نصف مساحة قطاع غزة المدمر عبر قرار دولي، بالتأكيد عين الجزائر بصيرة ويد الامة قصيرة، ولن يرتاح ضمير الجزائر إلا بإقامة الدولة الفلسطينية التي أعُلنت من أرض الجزائر، لكن العالم أعور والإجماع العربي أعرج وميزان القوة مُختل، ومعاناة الشعب الفلسطيني كبيرةـ وليس بالإمكان أحسن من وقف المذبحة وحماية حياة الصابرين في خيام غزة.

شاركها.