موسى الفرعي يكتب: الإفراج عن الرعايا أول الغيث العماني
أثير – موسى الفرعي
عُمان منبت السلام ومهبط الحوار وتآلف الأضداد، ومدى مفتوح لإمكانية المستحيل، ذلك ما أثبتته التجارب والشواهد الدبلوماسية، وذلك ما أكسبها ثقة المجتمع الدولي، فكلما تغلقت الأبواب، تلقي عمانُ مفاتيحها ليكون المستحيل ممكنا، والبعيد قريبا، ذلك لإيمان الحكومة العمانية بضرورة إعلاء الشأن الإنساني وحرص الآخر على تسوية التنازعات، فثمة مصلحة بين طرفي أي نزاع، وأما عمان فمصلحتها الكبرى تكمن في السلام الممكن بين بني البشر.
وها نحن نقرأ خبر نجاح المساعي العمانية بين الحكومتين الإيرانية والبلجيكية والمساعدة في تسوية قضية الرعايا المتحفظ عليهم في البلدين، وقد أسفر هذا الحراك المبارك عن اتفاق الجانبين على صفقة للإفراج المتبادل، وتم نقل المفرج عنهم من طهران وبروكسل إلى مسقط تمهيدا لعودتهم إلى بلدانهم.
والقارئ الفاحص يقرأ هذا الامتثال للأوامر السامية من أكثر من زاوية، فالأمر يتجاوز ملف الإفراج عن رعايا البلدين، ليصل إلى محطات أخرى، فأولا يجيء هذا الخبر قبل الزيارة السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- إلى طهران، وبعد رجوعه من جمهورية مصر العربية، لتتجلى من جديد ثقة المجتمع الدولي في حكمة القيادة العمانية وقدرتها على أن تلعب دور الوسيط القادر على تحقيق السلام، ولماذا بروكسل تحديدا وفي هذا التوقيت؟، فالحكمة تقوم على دراسة دقيقة وليس خبط عشواء في العمل السياسي، وهذا ما يعكس إمكانية فتح ملف جديد يناقش في طهران وهو رفع العقوبات عن أموال إيرانية المجمدة في الخارج ومنها في لوكسمبورج وكوربا والعراق والتي تصل إلى عشرات المليارات، وذلك ما يؤكد أيضا قدرة الدبلوماسية العمانية في الإقناع بتقديم تنازلات وإبداء حسن الظن من قبل الأطراف، كما لا يمكن أن تكون الأموال الإيرانية المجمدة خارجها بمعزل عن الأجندة الإيرانية، لذلك فإن هذه التسوية بين الحكومتين الإيرانية والبلجيكية بمثابة الضوء الأخضر لفتح هذا الملف الهام.
كما أن المناوشات الدبلوماسية واستخدام الحيل السياسية بين طهران والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي سيسودها شيء من السلام وانخفاض التوتر الذي منذ مطلع الثورة الإيرانية وحتى الآن لم يهدأ، فإن كان ذلك فلا بُد من فتح ملف 5+1 والملف النووي، وطرحه على طاولة الحوار كتصدير المنتجات النووية وغيرها مما تضمنه الاتفاق النووي.
كذلك، ستكون العلاقات الإيرانية المصرية حاضرة في حقيبة جلالة السلطان المعظم -أعزه الله-، فقد شهدت هذه العلاقة خلال العقود الفائتة الكثير من عمليات الشد والجذب، وتأثرت بالحراك الإقليمي والدولي، وآن للعلاقات الدبلوماسية أن تستأنف بينهما، وأن يجيء التقارب الإيراني المصري جريئا لا يمشي على استحياء، فلكل منهما ثقله السياسي والعربي والديني، ومن مثل عُمان يمكن أن تحقق هذه الجرأة في الخير، وما صفقة الإفراج المتبادل بين طهران وبروكسل سوى أول الغيث العماني.