لعله ينبغي معرفة عقوبة ومصير من ينظر لما في يد غيره من النعم وملذات الدنيا، والذي يعد حال الكثير من الناس، بل يمكن القول أن من ينظر لما في يد غيره من النعم وملذات الدنيا، هو أحد الفتن الشائعة وباب الشر الذي يسهل الوقوع فيه ، ولعل معرفة المزيد عن عاقبة كل من ينظر لما في يد غيره من النعم وملذات الدنيا، قد يكون أفضل رادع يقي من الوقوع فيه وفتح إحدى بوابات الجحيم.
من ينظر لما في يد غيره من النعم
حذرت دار الإفتاء المصرية ، كل من ينظر لما في يد غيره من النعم وملذات الدنيا، قائلة: لا تطمع بما في يد غيرك من ملذات الدنيا ؛ بل ارفع همتك إلى رضا رب الدنيا ، فقال الله تعالى: ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ) الآية 131 من سورة طه.
وأوضحت «الإفتاء» لكل من ينظر لما في يد غيره من النعم وملذات الدنيا، أن القول في تأويل قوله تعالى : وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولا تنظر إلى ما جعلنا لضرباء هؤلاء المعرضين عن آيات ربهم وأشكالهم، متعة في حياتهم الدنيا، يتمتعون بها، من زهرة عاجل الدنيا ونضرتها( لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ) يقول: لنختبرهم فيما متعناهم به من ذلك، ونبتليهم، فإن ذلك فانٍ زائل، وغُرور وخدع تضمحلّ.
وأضافت أن قوله: ( وَرِزْقُ رَبِّكَ ) الذي وعدك أن يرزقكه في الآخرة حتى ترضى، وهو ثوابه إياه (خَيْرٌ) لك مما متعناهم به من زهرة الحياة الدنيا(وأبْقَى) يقول: وأدوم، لأنه لا انقطاع له ولا نفاد، وذكر أن هذه الآية نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهوديّ يستسلف منه طعاما، فأبى أن يسلفه إلا برهن.
وتابعت: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن موسى بن عبيدة، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي رافع، قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهودي يستسلفه، فأبى أن يعطيه إلا برهن، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنـزل الله ( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ).
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا محمد بن كثير، عن عبد الله بن واقد، عن يعقوب بن يزيد، عن أبي رافع، قال: نـزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف: فأرسلني إلى يهودي بالمدينة يستسلفه، فأتيته، فقال: لا أسلفه إلا برهن، فأخبرته بذلك، فقال: إنِّي لأمِينٌ فِي أهْلِ السَّماءِ وفي أهْلِ الأرْضِ، فاحْمِلْ دِرْعِي إليه، فنـزلت وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وقوله (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) إلى قوله وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ويعني بقوله: ( أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ) رجالا منهم &; 18404 &; أشكالا وبزهرة الحياة الدنيا: زينة الحياة الدنيا.
وأشارت إلى أنه حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) : أي زينة الحياة الدنيا، ونصب زهرة الحياة الدنيا على الخروج من الهاء التي في قوله به من ( مَتَّعْنَا بِهِ ) ، كما يقال: مررت به الشريف الكريم، فنصب الشريف الكريم على فعل مررت، وكذلك قوله ( إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) تنصب على الفعل بمعنى: متعناهم به زهرة في الحياة الدنيا وزينة لهم فيها، وحدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: ( لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ) قال: لنبتليهم فيه ( وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) مما متَّعنا به هؤلاء من هذه الدنيا.
تحذير لمن يكثر النظر في نعم الآخرين
يكثر عند بعض الناس التحدث بإعجاب عن نعم الغير، ولا يتحدث عن نعم الله عليه مع أن الله قال: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، وفي هذا المسلك مخالفة للشرع من عدة وجوه هي:
الوجه الأول: في الحديث عن نعم الغير معصية لله في قوله تعالى: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [الحجر: 88]، ومعصية لله تعالى في قوله: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].
أي: لا تمد عينيك معجباً، ولا تكرر النظر مستحسناً أحوال الدنيا والممَتَّعين بها؛ من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء الـمُجَمَّلة؛ فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا؛ التي تُطْلِعُها الدنيا كما يُطْلِع النباتُ زهرتَه لامعةً جذابةً.
الوجه الثاني: في النظر للنعم مخالفة لقول الله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32].
الوجه الثالث: أن في ذلك مخالفة لحديث أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انْظُروا إلى مَن هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقَكم؛ فهو أجدرُ ألاَّ تزدروا نعمةَ الله عليكم»؛ رواه مسلم.
الوجه الرابع: أن في تكرار ذلك فتح لباب العين، والحسد بالعين حقيقة واقعة؛ ففي الحديث: « «العين حقٌّ، ولو كان شيءٌ سابَقَ القَدَر، لسبقَتْه العين» »؛ رواه مسلم. ويقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]، ويقوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5].
وقد اُبتلي يوسف بحسد إخوته له؛ حيث قالوا: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يوسف: 8]. فحسدوه على تفضيل الأب له؛ ولهذا قال يعقوب ليوسف: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 5].
ولن يذهب الحسد من الناس إلا في نهاية الزمان، فقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لينْزِلَنَّ ابنُ مريمَ حَكمًا عادلاً، فليكْسِرَنَّ الصليب، وليَقْتُلَنَّ الخنزير، وليَضَعَنَّ الجزية، ولتُتْرَكَنَّ القِلاص جمع قَلُوص: وهي الشابة من الإبل فلا يسعى عليها، ولتذهبنَّ الشحناءُ والتباغُض والتحاسد، وليَدْعُوَنَّ إلى المال، فلا يَقبله أحد» (رواه مسلم).
الوجه الخامس: أن ذكر النعم دون دعاء بالبركة قد يسبب مرض الممدوح، فقد قال مالك، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل، فقال: والله ما رأيت كاليوم، ولا جِلْدَ مُخبَّأة! قال: فلُبِطَ سهلٌ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرًا، فتغيظ عليه، وقال: “علام يقتل أحدكم أخاه؟! ألا بَرَّكْتَ عليه؟ اغتسِلْ له”، فَغَسَل له عامر وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صُبّ عليه، فراح مع الناس. (الموطأ) (938، 939)، وأحمد (3 /486)، والنسائي في (الكبرى) (4/ 380، 381)، وابن ماجه (3509).
الوجه السادس: أن ذكر نعم الغير يفتح باب حسد الجن، فقد قال ابن القيم رحمه الله: والعين عينان: عين إنسية، وعين جنية، فقد صح عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة. فقال: «استرقوا لها؛ فإن بها النظرة» قال الحسين بن مسعود الفراء: “وقوله سفعة” أي: نظرة يعني: من الجن يقول: بها عين أصابتها من نظر الجن، أنفذ من أسنة الرماح.