هدية نتنياهو لترامب وهدايا ترامب المتوقعة لإسرائيل..
كشف نتنياهو نيته وقف الحرب في لبنان هديةً لترامب ! والمفهوم من هذه الهدية أنه ما كان ليوقف الحرب لو لم يفز ترامب في انتخابات الرئاسة. إلى هذا الدرك الغائر انحدر نتنياهو متابعة للدركات الغائرة التي كثر انحداره إليها منذ انفجار الحرب في السابع من أكتوبر 2023. ومنها زعمه في خطابه في الكونجرس الأميركي في سبتمبر المنصرم إن قواته لم تقتل في قطاع غزة سوى 5 مدنيين. وهو كاذب في الأمرين.
في الأمر الأول الخاص بوقف الحرب في لبنان هو سيوقفها لهزيمة جيشه فيها، ولتردي حال مستوطنات الشمال ومدنه وقراه، وفرار مئات آلاف المستوطنين خالقين مشكلات معيشية ومالية ونفسية كبيرة أجبرت حكومته الممزقة على مصارعتها. مرعب لإسرائيل ومزلزل معنويا وعسكريا أن يطلب حزب الله إخلاء 25 مستوطنة في الشمال، فتسارع إلى إخلائها. ويتعاقب انهمار مسيرات حزب الله وصواريخه الدقيقة على مستوطنات الشمال ومدنه وقراه ومراكزه العسكرية ومقراته الاستخبارية. نزيف متعاقب تتلوى منه إسرائيل هلعا ووجعا وشللا. وكل التهاديد بهزيمة حزب الله تبعثرت غبارا، وبات مطمح إسرائيل أن تفلت بجلدها من القتال مع الحزب.
ولا يخجل نتنياهو من تقديم هذا الإفلات الإجباري هدية لترامب، وهو في لبابه الحقيقي اعتراف صارخ غير مباشر بالهزيمة والخيبة المذلة أمام حزب الله. ويكذب نتنياهو أكاذيبه الكبرى كأن العالم لا يسمع ولا يرى كل شيء، وكأنه ليس لديه مستشارون ونصحاء خلصاء يبينون له أن أكاذيبه غبية مفضوحة. حاله غريبة حقا. ويبدو أن رذيلة الكذب صاحبته منذ صغره. والشاهد أن أباه، وهو مؤرخ، قال: “ابني هذا كذاب”، والحكمة العربية تقرر أن “من شب على شيء شاب عليه”. ورذيلة الكذب أم الرذائل أجمعها، وإذا وجدت في شخص أنذرت بمستنقع من الرذائل في شخصيته، وفي الحديث الشريف ” وإن الكذب يهدي إلى الفجور”.
وبداهة أن نتنياهو وكيانه لا يهبان أحدا شيئا بلا مقابل أكبر وأنفس، هذا إن وهبا شيئا أصلا، ولا ريب في أن هناك ثمنا كبيرا ونفيسا يريدانه من ترامب، وقد جهر هذا بالثمن حين تحدث في حملته الانتخابية عن وجوب توسيع مساحة إسرائيل. وفي الأنباء أنه سيؤيد ضمها المنطقة ج في الضفة الغربية التي تمثل 60 % من مساحتها، وأن تأييده وعد قطعه لسيدة يهودية مولت حملته الانتخابية ب 200 مليون دولار. ولنا تقدير أن هذه السيدة قمة الجبل، وأن ما دفعته من مال وراءه قوى يهودية. وسلف لترامب أن اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبشرعية ضمها للجزء المحتل من الجولان السوري. الأرض العربية في مزاد عابث يعطيها من شاء لمن يشاء.
قبل ترامب أعطت بريطانيا فلسطين لليهود بوعد بلفور في 2 نوفمبر 1917، ووصف كتاب “الميثاق” الذي حوى مبادئ توجهات الثورة المصرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية ذلك الإعطاء المعتدي الجائر وصفا صادقا ب إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق. وإسرائيل تجتنب الاحتفال أو الاهتمام بذكرى ذلك الوعد الذي يصفه العرب خاصة الفلسطينيين بالمشئوم، واجتنابها يستقصد الإيحاء بأنه لم يأتِ بجديد، ولم يهب اليهود حقا ليس لهم في فلسطين.
والمتوقع أن تتعدد هدايا ترامب لإسرائيل، فهي ليست من جيبه، وأكبرها وأنفسها التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، والعمل على ترسيم إسرائيل دولة محورية مهيمنة في المنطقة تنفيذا لصفقة القرن. والرجل بصفته رجل مال وأعمال حيث يعمل في تطوير العقارات مولع بمصطلح ” صفقة “. وعودته إلى الرئاسة ليست عفوية. وراءها قوى داخلية مؤثرة لليهود يد فيها رغم قلة من انتخبه منهم، وكثرة منتخبيه من العرب والمسلمين غضبا من موقف إدارة بايدن المؤازر بقوة مطلقة لإسرائيل في الحرب على غزة ولبنان.
“معروف” العرب والمسلمين لا حصاد له، واكتفى ترامب بشكرهم دون أي وعد بعمل شيء عملي مجازاة لهم مثلما وعد إسرائيل، و ” متلوف ” إسرائيل ويهود أميركا له كل السنابل التي ليست من حقل ترامب، وإنما من الحقول العربية المباحة لكل طامع ومستذئب. “لقد صح أن الضعف ذل لأهله = وأن على الأرض القوي مسيطر “، ونحن العلة الأولى لضعفنا، والعلة الأولى لقوة عدونا الذي. فضحت الحرب الحالية تعدد مكونات ضعفه الذاتي، وأنه فعلا لا قوة ذاتية له في جوهره، ويشخص القرآن الكريم هذه الحقيقة في : ” كتبت عليهم الذلة والمسكنة إلا بحبل من الله وحبل من الناس “، وحبل الله _ جل قدره _ نبذهم، وما بقي لهم سوى حبل الناس، وهو آيل إلى نبذهم حتما. ما ديمومة منفعة حبل الناس بعد نبذ حبل الله ؟! لا ديمومة مهما أوهمت الظواهر بخلاف هذا.
كاتب فلسطيني مقيم في غزة