أجمع الفقهاء على أن خروج الريح يُعد ناقضًا للطهارة، سواء وقع قبل الشروع في الصلاة أو أثناء أدائها، ويترتب عليه بطلان الصلاة ووجوب إعادتها، إلا إذا كان الشخص مصابًا بعذر شرعي دائم لا يستطيع معه السيطرة على هذا الأمر، كمَن يعاني من سلس دائم في الريح أو عدم استقرار في عضلات الإخراج.

وقد تناولت دار الإفتاء المصرية هذه المسألة بوضوح في فتاواها، موضحةً أن القاعدة العامة تفيد بأن من خرج منه ريح أثناء صلاته، بطلت صلاته ولزمه إعادة الوضوء والصلاة، إلا إذا كان ذلك الخروج متكررًا ومستمرًّا بطريقة تُصعّب على المكلَّف أداء العبادة بطهارة كاملة.

وفي هذه الحالة تحديدًا، أشار الفقهاء إلى أن الشخص يُعد من أصحاب الأعذار، ومن ثم تسري عليه أحكام خاصة تخفيفًا ورحمة به. فصاحب العذر لا يُطلب منه إعادة الوضوء لكل خروج، بل يكفيه أن يتوضأ بعد دخول وقت كل صلاة، ويؤدي به الفرض والنوافل المرتبطة به، ولا يعاد وضوؤه إلا مع دخول وقت الصلاة التالية، ولو خرج منه شيء أثناء الصلاة أو بعدها، فلا يلزمه إعادة الوضوء ولا الصلاة.

ويستند هذا الرأي إلى أصول شرعية وقواعد فقهية معتبرة، أبرزها القاعدة القائلة: “المشقة تجلب التيسير”، والتي تعني أن الأحكام الشرعية تأخذ في الاعتبار قدرة الإنسان وظروفه، ولا تُفرض عليه ما لا يُطاق.

 كما يُستدل على هذا المنهج بقوله تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”، وقوله: “وما جعل عليكم في الدين من حرج”، وقوله أيضًا: “لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها”.

كما أن السنة النبوية الشريفة تؤكد هذا المعنى من خلال قول النبي ﷺ: “إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا”، ما يُبرز أن الشريعة قائمة على رفع الحرج وتيسير الطاعة على العباد، لا تعجيزهم أو تحميلهم ما لا يستطيعون.

وقد شددت دار الإفتاء على ضرورة أن يفرّق المسلم بين الحالة الطارئة التي تُبطل الصلاة، وبين الحالة المزمنة التي تجعل الشخص معذورًا. فإذا ثبت أن خروج الريح حالة مستمرة لا يستطيع التحكم فيها، فلا حرج عليه في الاستمرار في صلاته بعد الوضوء، حتى لو خرج منه شيء أثناء ذلك، على أن يُجدد وضوءه في وقت الصلاة التالية فقط.

وتُعد هذه الأحكام مثالًا حيًّا على رحمة الشريعة الإسلامية وشمولها لمختلف أحوال الناس، حيث تراعى ظروف المكلَّفين وتيسّر عليهم، دون أن تسقط عنهم التكاليف، بل تضع لهم من الوسائل ما يضمن أداءها دون عنت أو مشقة لا تُحتمل.

شاركها.