هل يدخل ترامب التاريخ من بوابة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وصفقة القرن المقلوبة ؟ ..أشرف عكة
في مفارقة تاريخية، قد يشهد العام 2025 تحولاً جذرياً في الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية، الرئيس دونالد ترامب، الذي أطلق “صفقة القرن” قبل سنوات كخطة لتصفية الحقوق الفلسطينية، يُدرس الآن الاعتراف بدولة فلسطين – لكن بشروط تخدم مصالح واشنطن ، مصادر دبلوماسية في واشنطن تكشف لـ”التحليل” أن البيت الأبيض يضع اللمسات الأخيرة على خطة قد تُعلن قبل زيارة الرئيس ترامب للمنطقة الاسبوع القادم ، بمشاركة سعودية فاعلة، فما حقيقة هذه الصفقة؟ ومن الرابح والخاسر؟
يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يزال يسعى إلى ترك بصمة استثنائية في السياسة الدولية،وهذه المرة من بوابة القضية الفلسطينية، التي ظلت لعقود عقدة العلاقات الدولية في الشرق الأوسط تسريبات دبلوماسية متزايدة تشير إلى نية ترامب الاعتراف بدولة فلسطينية في خطوة ستكون الأولى من نوعها لرئيس جمهوري، وتطرح أسئلة واسعة هل يسعى ترامب لتسجيل “إنجاز سلام” أم لتوظيف الملف الفلسطيني في أجندة انتخابية أميركية قادمة؟ وما موقع السعودية من هذا التحول المفاجئ؟
عودة إلى الملف الفلسطيني من زاوية جديدة “وصفقة القرن المقلوبة “
في خضم التحولات الجيوسياسية العنيفة التي يشهدها العالم اليوم، يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه أمام مفترق تاريخي، فبعد سنوات من السياسات الموالية لإسرائيل، بدءًا من نقل السفارة إلى القدس حتى “صفقة القرن”، تطفو على السطح تساؤلات جادة هل يُغير ترامب مساره نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟ وهل يمكن لهذه الخطوة، إن حدثت، أن تكون حجر الزاوية في نظام دولي جديد تتعدد فيه مراكز القوى؟منذ بداية ولايته، لم يكن ترامب يوصف بأنه صديق للقضية الفلسطينية، بل على العكس، عُرف بمواقفه المنحازة لإسرائيل، خصوصًا بعد قراره نقل السفارة الأميركية إلى القدس عام 2017 واعترافه بها عاصمة لإسرائيل ما مثّل بحسب المراقبين، ضربة مباشرة لأي أفق لتسوية عادلة،إرث الولاية الأولى خلال ولايته الأولى (20172021)، اتخذ ترامب مواقف وصفت بأنها الأكثر انحيازًا لإسرائيل في التاريخ الأمريكي، مما أثار غضب الفلسطينيين والعالم العربي.
الواقع الجديد
مع تصاعد التصعيد في الضفة الغربية وحرب الابادة في غزة (20232025)، والضغط الدولي غير المسبوق على إسرائيل (بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة ومواقف دول أوروبية كإسبانيا والنرويج)وظهور بوادر خلافات وتباينات بين الاستراتيجية الامريكية وحكومة اليمين المتطرف في اسرائيل وتسريبات عن توتر في العلاقة بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو وصل الى حد القطيعية ، يبدو أن واشنطن تُعيد حساباتها.
الفرصة الذهبية: قد يرى ترامب في الاعتراف بفلسطين وسيلة لـ:استعادة الزخم الأمريكي في المنطقةوكسب ود العالم الإسلامي وسط منافسة مع الصين،وتقديم نفسه كـ”صانع سلام”، لكن اليوم تعود القضية إلى الواجهة، وهذه المرة عبر مبادرة يُشاع أنها تتضمن اعترافاً مشروطاً بالدولة الفلسطينية، في إطار “صفقة موسعة” قد تتضمن بنودًا أمنية ملزمة للطرفين، وتتناول ملفات اللاجئين والقدس والحدود.
خطوة رمزية أم تحوّل جدي؟
ما يجري قد يكون محاولة لإعادة تموضع أميركي في ملف القضية الفلسطينية بعد فشل الرهانات السابقة على التهميش والإقصاء، لكن أي اعتراف لا يستند إلى المرجعيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، سيكون مجرّد خطوة رمزية الهدف منها سياسي بحت ، ترامب يريد أن يُسجل أنه الرئيس الأميركي الذي أخرج ملف الدولة الفلسطينية من الجمود، لكن السؤال الأهم هو: أي دولة؟ وبأي شروط؟ إن لم تكن دولة ذات سيادة وحدود معترف بها، فإن الاعتراف سيكون بلا قيمة عملية.
السعودية: الطرف الذي لا يمكن تجاوزه
في معادلة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، تلعب السعودية دورًا محوريًا لا يقل أهمية عن واشنطن المملكة التي أكدت مراراً دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني، تقف حالياً بين متطلبات الشارع العربي، وضغوط التوازن الإقليمي، ورغبتها في تعميق علاقتها مع واشنطن ضمن معادلة استراتيجية أشمل.
وبحسب دبلوماسيين عرب، فإن واشنطن لن تُقدم على الاعتراف بدولة فلسطينية دون تنسيق أو موافقة سعودية صريحة أو ضمنية،ويدعم هذا التحليل ما صرّح به وزير الخارجية السعودي سابقًا، حين أشار إلى أن “أي مبادرة لا تُعيد للفلسطينيين حقوقهم المشروعة ستكون مرفوضة، حتى لو جاءت من أقرب الحلفاء.
ردود الفعل المتوقعة من الترحيب الحذر إلى الرفض القاطع
السلطة الفلسطينية قد تجد نفسها أمام معضلة، هل ترفض المبادرة باعتبارها منقوصة؟ أم تقبلها كفرصة نادرة لانتزاع اعتراف دولي؟ تصريحات أولية من قيادات في رام الله توحي برغبة في التريث، مع تأكيد أن أي مبادرة يجب أن تتضمن “وقف الاستيطان والاعتراف بحدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة” حماس والجبهة الشعبية والديمقراطية وبعض الفصائل الفلسطينية على الجانب الآخر، ستعتبر الخطوة كمحاولة لتكريس واقع سياسي تتجاهله، وستراها صفقة جديدة تستبعد “خيار المقاومة” وتُكرّس الانقسام.
إسرائيل بدورها ستحاول المناورة فبينما قد ترفض علنًا أي اعتراف أحادي بالدولة الفلسطينية، إلا أن حكومة يمينية برئاسة نتنياهو قد تقبل بمبدأ “دولة تحت السيطرة الإسرائيلية الأمنية”، ما يفرغ الاعتراف من مضمونه السيادي ،أوروبا قد ترحب بحذر ، لكنها ستطالب بضمانات حول الشرعية الدولية، بينما ستتابع روسيا والصين التطورات بعين استراتيجية لرصد فرص التوازن في المنطقة.
السيناريوهات المتوقعة
الاعتراف الرمزي المشروط تعلن واشنطن دعمها لإقامة دولة فلسطينية، دون تقديم خارطة واضحة للحدود أو جدول زمني،هذا السيناريو سيُستخدم داخليًا كإنجاز انتخابي لترامب ،اعتراف فعلي في إطار صفقة شاملة تقدم واشنطن خطة تفصيلية تشمل ترتيبات أمنية، دعم اقتصادي، وضمانات دولية، السعودية ومصر والاردن وقطر والإمارات قد يدعموا ضمن توافق إقليمي، بينما يكون الثمن تنازلات فلسطينية كبيرة.
تراجع عن الاعتراف بعد جسّ النبض في حال جاءت ردود الفعل سلبية، قد تتراجع الإدارة الأميركية بحجة “غياب التوافق”، وتستخدم التسريبات كاختبار للمواقف و تصعيد سياسي فلسطيني السلطة قد تذهب نحو الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية، في حال جاء الاعتراف الأميركي مجتزأً أو مشروطاً بشكل يقوض الحقوق الفلسطينية.
هل يسجل التاريخ اسماً أم موقفاً؟
لا شك أن خطوة الاعتراف الأميركي بدولة فلسطينية ستكون لحظة فارقة، ليس لأنها تأتي من ترامب تحديدًا، بل لأنها تحدث في ظل توازنات إقليمية هشّة، وصعود لأدوار دولية جديدة في الشرق الأوسط، الاعتراف الأمريكي بالدولة الفلسطينية تحت قيادة ترامب لم يعد سيناريو مستحيلاً، بل قد يكون ورقة ضغط في لعبة أكبر، إن نجح، فسيدخل التاريخ كـ”الرئيس الذي أعاد الأمل” وإن فشل، فسيُذكر كأسطورة سياسية أخرى انتهت إلى الجدل، السؤال الأكبر هل النظام العالمي الجديد سيكون نتاج إرادة أمريكية، أم أن ترامب نفسه سيكون مجرد حلقة في تحولٍ أكبر يُعيد تشكيل الشرق الأوسط بعيدًا عن الهيمنة التقليدية؟
لكن التاريخ لا يخلّد الأسماء بل يخلّد المواقف،فإن كان الاعتراف الأميركي يحمل مضمونًا حقيقيًا، سياسياً وقانونياً، فسيكون خطوة نحو السلام أما إن جاء في سياق المناورة السياسية والضغوط الانتخابية، فسيكون مجرّد فصل جديد في مسلسل طويل من الخيبات.
أشرف عكة
خبير في العلاقات الدولية
10/5/2025